عصر ذلك اليوم وكان الخميس 13يونيو / حزيران 1974 إذاعة صنعاء عاصمة الجمهورية العربية اليمنية "اليمن الشمالي"، والتي يغطي بثها ويسمع بوضوح على مساحة كبيرة من اليمن الطبيعية، وفي دول الجوار فجأة بدأت ببث الأناشيد الحماسية..
الله واكبر يابلادي كبري .. وخذي بناصية المغير ودمري
وغيرها... بالإضافة الى مارشات عسكرية ، وبين أغنية وأخرى المذيع معلناً عن بيان هام سيذاع بعد قليل فترقبوه!؟.
في ثوان التف الجميع حول جهاز الراديو ، فلم يكن قد ادخل التليفزيون الى الشمال بعد ( اول ارسال في الجنوب 11/9/1964، وفي الشمال 24/9/ 1975)، بعد قليل هذه امتدت لساعات ، وكلما طال الانتظار كلما كثرت التخمينات والتوقعات، ولان الصورة لم تكن واضحة مائة بالمائة، وكون الإذاعة قدمت هذا النوع من الأناشيد الوطنية، والتي يعود اغلبها الى فترتي الخمسينات والستينات مرحلة المد القومي والمواجهة مع القوى الاستعمارية، والتي تهدف عادة الى رفع المعنويات القتالية أو الاستعداد لها ، وحشد الشعب وراء قيادته فاغلب الظن أن الحرب قد اندلعت للمرة الثانية بين شطري اليمن ، وبين من هو مستاء و حزين للقتال بين أبناء الوطن الواحد خاصة وحرب1972 لم تمح بعد آثارها المؤلمة من ذاكرة الوطن، ولان الوضع السياسي في تلك الفترة كان متأزما بما فيه الكفاية وفتيل الحرب جاهزاً للاشتعال في أي لحظة ولأتفه سبب،لأن كل طرف يحتضن ويدعم مادياً ومعنوياً وبلا حدود معارضي الطرف الآخر! البعض اتجه الى الاستماع لراديو عدن عاصمة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية " اليمن الجنوبي" لعل الصورة تتضح، فوجدوا برامجه عادية لتستبد الحيرة والقلق والترقب من جديد، ومع ذلك فقد يكون الجنوب الماركسي النظام والعقيدة التقدمي قد هاجم الشمال الرجعي بحسب الحرب الإعلامية بينهما في تلك الفترة ، ولهذا لا تزال القيادة في عدن تبحث عن سبب مقنع عربياً ومقبول دولياً أساسه إن لم يكن الدعم والمساندة من باق التقدميين فالحياد اقل شي من الدول التي لها مصالح في المنطقة، لأن الحرب هذه المرة اذا توسعت وأخذت البعد الإقليمي ، حتماً ستهدد هذه المصالح خاصة في الخليج النفطي، بينما القيادة في صنعاء لا تزال هي الأخرى تبحث عن سبب قوي وحاسم لحشد التعاطف والتضامن معها ضد هذه الجماعة الخطيرة…الخ!؟
عند الغروب قطع المذيع (عبدالله شمسان) الصمت الذي وصل الى حد التشنج ، معلناً بعد الديباجة الطويلة غروب عهد الرئيس القاضي عبد الرحمن الارياني ومجيء قيادة جديدة برئاسة العقيد إبراهيم الحمدي في انقلاب ابيض على رأس حركة 13 يونيو / حزيران التصحيحية (نص البيان في ملحق الوثائق)(شُكل مجلس القيادة في البداية من سبعة اعضاء الى جانب الحمدي ثم وسع الى تسعة هم:احمد الغشمي- يحي المتوكل- مجاهد ابو شوارب- علي الشيبة- حمود بيدر- علي الضبعي- درهم ابو لحوم- علي ابو لحوم، واضيف لاحقا عبدالعزيزعبدالغني وعبدالله عبدالعالم).
الرئيس السابق الشعب اليمني بأكمله يعرفه شكلاً وفكراً وسياسة بعد سبع سنوات عاصفة في الحكم ، بينما رئيس مجلس القيادة الجديد (رئيس الدولة) معروف في العاصمة صنعاء والمدن القريبة منها خاصة الفترة التي تولى فيها منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الداخلية، وتأسيسه لهيئة التعاون الأهلي التطوير التي نفذت العديد من المشاريع بمبادرات ذاتية من المواطنين ، كشق الطرق وبناء السدود والمدارس والمستوصفات الطبية..
ولأن نسبة الأمية مرتفعة فليس الكل يقرا الصحف او المجلات ولاوجود للتليفزيون ، أول سؤال تبادر الى أذهانهم ..كم عمره؟ وكيف يبدو؟ وكيف يتحدث؟ فالقاضي الارياني عندما خلف المشير / عبد الله السلا ل أول رئيس للجمهورية بعد الثورة على النظام الملكي في الشمال عام 1962 في انقلاب ابيض أيضا ، كانا متقاربين في العمر على أبواب العقد الخامس.
اليوم التالي وزعت الصحيفتين الرسمية الثورة التي تصدر في صنعاء والجمهورية شبة الرسمية التي تصدر في تعز، وعلى الصفحة الأولى صورة العقيد الحمدي شاب من مواليد 1943 في مدينة قعطبة لواء إب الحدودية بين الشطرين ذات الأهمية في وقت السلم والحرب واللقاءات الوحدوية المهمة حيث احتضنت أهم قمة بين الحمدي وربيّع في 15/2/1977.
بعد ان عرفوا شكله باتوا في شوق لسماع صوته.. بعد ثلاثة ايام مساءاً وجه خطابه وبيانه السياسي الأول فلمسوا فيه دفء الصوت والبلاغة في الالقاء لتبدا مقارنة لم تنته بين رجلين احترموا في الاول وقدروا له دوره النضالي الطويل ضد الحكم الامامي الظالم المستبد المتخلف ، ومعاناته في السجون لسنوات ، ويكفي انه أعيد من ساحة الاعدام مرتين وقبل دقائق فقط من طيران رأسة فلقب بالشهيد الحي، واكبروا فيه غزارة علمه وتحمل المسئولية في فترة حرجة للغاية كان رجلها بالفعل ، وعابوا عليه ترك البلد وخيراتها نهباً لفئة اعتبرت نفسها فوق القانون العام وسنت قانونها الخاص مع القوي ضد الضعيف، فكان لابد من عمل عظيم يصلح الخلل الفظيع الذي اصاب المجتمع ، ويهدده بالانهيار ويعيد الثقة للمواطنين البسطاء الطرف الضعيف في معادلة ما قبل الحركة ، لكنهم كانوا في نظر الحمدي الطرف الأقوى لأنهم الغالبية بنظامهم الجمهوري ، وأهداف ثورتهم الستة ويقضي على الفساد والرشوة والمحسوبية، وهو البرنامج الذي اعده الحمدي وقدمه الجيش بأسم مشروع القوات المسلحة للاصلاح المالي والاداري في 5/9/1971، وبعد ثلاثة عشر يوماً عين نائباً لرئيس الوزراء للشؤون الداخلية في الحكومة الجديدة ومغزى التعيين ان يشرف شخصياً على تنفيذ ومتابعة مشروعة التصحيحي الذي اصطدم بعقبات كثيرة (انظر قرار اعادة احياء مشروع التصحيح في الملحق) .
يوم 18 يونيو / حزيران 74 ودع الحمدي القاضي الارياني رسمياً في مطار تعز المدينة التي احبها الاثنين والواقعة بين صنعاء وعدن متوجها مع أفراد عائلته الى منفاه الاختياري دمشق، ذهب ومعه العديد من الأسرار لم يسرب أي شئ منها بل أراد أن تحكي مذكراته وتكشف كل الحقائق بعد وفاته ، مثلاً هل صحيح انه قدم استقالته الى القوات المسلحة ليحذو حذوه مكرهين باقي كبار المسئولين وخاصة رجل السعودية القوي الشيخ / عبد الله بن حسين الأحمر رئيس مجلس الشورى ، والذي كانت ممارسات المجلس أحد أسباب التغيير، والذين ضاق القاضي ذرعاً بهم وبتصرفاتهم التي تجاوزت كل الحدود على الاستقالة وفي غياب الرجلين القويين العقيد / محمد الارياني القائد العام للقوات المسلحة الموجود منذ شهور في فرنسا للعلاج والعقيد / حسين المسوري رئيس هيئة الأركان الذي توجه الى الأردن في اليوم السابق للحركة (بعد خمسة ايام صدر قرارا بتعيين الارياني سفيرا لدى بريطانيا والمسوري سفيرا لدى مصر. المسوري كان ضمن الوفد اليمني الذي زار السعودية في17/3/73 برئاسة القاضي عبدالله الحجري رئيس الوزراء وعضوية محمد احمد نعمان نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية، وقيل يومها انه تم تجديد اتفاقية الحدود المرفوضة من الشعب اليمني لعشرين سنة قمرية. اغتيل النعمان في 28 /6/74 في العاصمة اللبنانية بيروت، والحجري في10/4/ 77 في العاصمة البريطانية لندن ) فاسحاً الطريق أمام العقيد الشاب نائب القائد العام ليقصقص أجنحتهم ويوقف عبثهم ، أم ان المعسكر الآخر والمقصود به الشيخ الأحمر وجماعته هم الذين دفعوه الى الاستقالة من خلال صفقة مع الشاب الطموح هي أن تحكم ولا تملك او العكس! قد يكون ذلك صحيحاً الى حد ما وكتكتيك منه وهو العسكري المتمرس الذي تولى الكثير من المناصب الهامة رغم صغر سنه، استعان في البداية بعدد كبير من أركان العهد السابق رغم علامة الاستفهام الكبيرة التي تحاصر تاريخهم بحكم مزاملته لهم، ويوماً بعد يوم سحب الشعب البساط من تحت أقدامهم وعندما أحسوا بالغربة مع الوضع الجديد تلاشوا ، بعضهم بصمت والبعض بضجيج كما حدث في مؤتمر مدينة خمر القريبة من صنعاء ومعقل الشيخ الأحمر الذي عقد في15 فبراير/ شباط75،
وحضره عدد كبير من المشائخ والضباط المبعدين من الجيش وقد اعتبروا ان الحمدي غاصبا للسلطة.. الشيخ الأحمر نفسه كان قد رعى في 18/6/74 مؤتمرا لقبائل اليمن عقد في قرية المعْْْمر ناحية همدان إحدى ضواحي صنعاء، ووصف الحركة يومها بأنها جنبت البلاد فتنة عمياء!؟.. كان يعرف صعوبة تغييرهم دفعة واحدة في مجتمع القبيلة هي الاقوى ، والمادة هي الوسيلة لبلوغ الغاية المصالح الشخصية على حساب مصالح الوطن؟.
في أول يوم رئاسة وبعد مراجعة سريعة للمواضيع المهمة في أجندته المزدحمة اصدر أمراً عاجلاً بوقف الحملات الإعلامية ضد الجنوب وقيادته مع التأكيد بأن الوحدة ستظل هي الخيار الوحيد للشعب اليمني مهما تباينت الآراء والمواقف، ولأنها هدف عظيم فإنها تحتاج الى تضحيات عظيمة..
فبادله على الفور الرئيس سالم ربيّع علي الشهيربسالمين نفس الرغبة ونفس الشعور مؤسسين لعلاقة قوية بينهما اخذت الطابع الشخصي اكثر من الرسمي.
بدا الرجل مهمته الشاقة بجهد جبار يعاونه مجموعة من الوجوه الشابة والمؤهلة أكاديميا في بناء الدولة الحديثة دولة النظام والقانون والمؤسسات ، وهي مهمة صعبة لكنها ليست مستحيلة من قائد جمع في شخصيته القوة والقدوة مضافاً إليها ثقافته وتميزه خلال دراسته المدنية والعسكرية، والأهم الأسرة العريقة التي جاء منها كقاض(خلال فترة عمله القصيرة في سلك القضاء في غياب والده القاضي محمد صالح الحمدي كانت تنتهي احكامه الى الصلح بين المتخاصمين) ان العدل أساس الحكم ، وأساس الحكم مخافة الله ، وان لا يخاف في الحق لومة لائم .
امر بتعليق عبارة الله جل جلاله بدلاً من -صورته.
- انزل جميع الرتب العسكرية التي وصلت الى التضخم وحامليها الى التخمة للمقدم بما فيها رتبته فأعاد للجندي والصف والضابط الهيبة المفقودة (نص القرار في ملحق الوثائق).
منع استخدام السيارات الحكومية والعسكرية -وسيارات المؤسسات العامة والمختلطة للأغراض الشخصية (انظر ملحق الوثائق).
زيادة المرتبات مع اربعة مرتبات اضافية تصرف في مناسبات عيدي الفطر والاضحى وذكرى الثورة وذكرى الحركة.
البساطة والتواضع حياة وسلوكاً لازماه هو وافراد اسرته حتى اخر ايامه.
التنقل بدون حراسة او موكب مع السائق او لوحده بسيارته الفولكسواجن.
القيام بزيارات ليلية متنكراً .
الزيارات المفاجئة للدوائر الحكومية والأمنية والعسكرية ( اخر زيارة مفاجئة له كانت الى مدينة تعز قبل اغتياله باسابيع قليلة وقيل يومها انه كان قاسيا جدا في توبيخ وانتقاد مسؤولي المحافظة على التسيب وعدم الالتزام الوظيفي .. قائد اللواء الرائد علي عبدالله صالح – المحافظ عبدالسلام الحداد – ومدير الامن محسن اليوسفي).
حاسب نفسه قبل ان يحاسبة الآخرين ، مطبقاً - مبدا من اين لك هذا.
صارم على كل من حوله وخاصة أقربائه .. -حرصه على المال العام حقق للخزينة العامة فائضاً حيث بلغت الأرصدة الاحتياطية للريال اليمني بالعملة الصعبة (الدولار) بحسب ما ورد في نشرة الصندوق الدولي الفصلية ديسمبر / كانون أول 1977(825) ثمانمائة وخمسة وعشرون مليون دولار وهو رقم عال اذا ما قورن باحتياطي مصر آنذاك الذي قارب (240) مأتيين وأربعين مليون دولار .
يلتقي من يرغب بلقائه من المواطنين اسبوعيا -في لقاء مفتوح دون حواجز ووفق اجراءات سهلة وعادية جدا.
الغى مسميات الشيخ والسيد وابدلها بالاخ -والتي تعني سواسية ابناء الشعب.
تقبيل العلم عند المغادرة والارض عند العودة - من كل سفرة خارجية.
- - كل خطاب يلقية يأتي بالجديد.
بدأ في عهده موسم التشجير في مارس / اذار - من كل عام لاعادة الاخضرارالى اليمن السعيد.
سلم للمتحف الوطني كل الهدايا العينية التي - حصل عليها اثناء زياراته لدول شقيقة وصديقة ،لأنها من وجهة نظرة هدايا من شعب لشعب، والمسؤول ليس إلا وسيطاً، اما المبالغ المالية بملايين الدولارات فتم تحويلها الى خزينة الدولة.
- تفرغ حتى للشأن الداخلي فترسخ الأمن الشامل مع التنمية الشاملة، ولأنه قارئ جيد للتاريخ فقد قرر إعادة بناء سد مأرب عصب الحياة المزدهرة لمملكة سبأ التي ورد ذكرها في القرآن الكريم في سورة سبأ " لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ " فقصد الشيخ / زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة والذي تعود أصول عائلته الى اليمن والى مدينة مأرب تحديداً، فوافق الرجل على تحمل التكاليف ، فكانت الهدية الثانية من شعب الإمارات لشقيقة شعب اليمن بعد محطة التليفزيون، ولأنه مدرك لحجم الضغوط السعودية وتأثيرها على بلاده، لذا كانت وجهته الخارجية الأولى الى الرياض فالتقى المرحوم الملك فيصل بن عبد العزيز الذي اعجب به وبديناميكيته لكن هذا لم يمنعه من التعليق بقوله " سيتعبنا"؟!.
خرج المغتربون اليمنيون في العاصمة الرياض والذين جاؤوا من باق المناطق لاستقباله في استفتاء جماهيري أذهل السعوديين وقوات الأمن التي لم تستطع السيطرة على الوضع ، وقد ذكّر السعوديون ذلك الاستقبال باستقبال العمانيين لولي عهدهم قابوس بالمكانس بداية سبعينيات القرن الماضي ليعود مباشرة ويطيح بابيه وينقل بلاده بعد الانغلاق والتخلف لسنين طويلة الى الثروة والتقدم ، وقد تداول الظرفاء العبارة التالية : يا عماني يا عماني اترك المكنسة لليماني !.
عمل غالبية المغتربين اليمنيين وعددهم يفوق المليون في المهن الحرة وكعمال بناء ، بينما قلة يعملون في التجارة والاستثمار وقد حصنوا انفسهم واموالهم بالجنسية السعودية، واعتبرهم الحمدي على الدوام سفراء بل كان يردد : انهم سفراء يدفعون للدولة ! ومن اجلهم عُقد المؤتمرالاول للمغتربين مارس / آذار 1976 ليعرف منهم عن احتياجاتهم من الحكومة فوجدهم يقدمون الكثيربسخاء ويطلبون القليل باستحياء؟! .
ذلك الاستقبال الحاشد والكاريزما أزعجتا السعوديين وأحسوا بأن الرئيس الشاب في طريقة للابتعاد عنهم وعن وصايتهم مستنداً على أرضية جماهيرية واسعة ومنجزات عملاقة ومشاريع طموحة (علاقة الحمدي بدول الخليج كانت جيدة فقد تراس الوفد اليمني المهنئ لبعض دوله بانتهاء الحماية البريطانية) والبوادر هي:
الاولى: دعوة اليمن لعقد مؤتمر قمة عربي طارئ لبحث تداعيات الحرب الاهلية في لبنان التي اندلعت في فبراير / شباط 1975 ووقف نزيف الدم بين الاخوة وإقتراح تشكيل قوات الردع العربية فاستغرب المراقبين ذلك من اليمن الجديد الذي كان آخر من يعلم وآخر من يتكلم، يمكن لأنه يبدأ بحرف الياء آخر الحروف الابجدية !؟.
الثانية : قمة عدم الانحياز التي عقدت في العاصمة السيرلانكية كولومبو في يوليو / تموز 1975 ، وانتخبت اليمن لسكرتارية المؤتمر وسط حضور يمني ملفت للنظر.
الثالثة : مارس / آذار 1977 دعوة اليمن الى عقد قمة للدول المطلة على البحر الأحمر لباها رؤساء جنوب اليمن سالم ربيّع والسودان جعفر النميري والصومال سياد بري، وتجاهلتها السعودية طبعا لأسباب معروفة حيث بدا اليمن في ظل قيادة الحمدي ينحو بعيدا عن الفلك السعودي، وأيضا لأنها كانت قد بدأت التحرك لفكرة كهذه لم تلق التجاوب! ومصر الذي من المستغرب له رغم العلاقة الودية المتميزة بين الحمدي والرئيس أنور السادات الذي يذكر جيدا إصرار الحمدي عندما كان نائباً لرئيس الوزراء للشؤون الداخلية على تسليم الجاسوس الإسرائيلي باروخ مرزاحي، الذي القي القبض عليه في اليمن في26/5/ 1972الى مصر مضحياً بالأمن القطري لصالح الأمن القومي العربي في مواجهة حامية الوطيس مع وزير الداخلية وقتذاك علي سيف الخولاني ، والتي أشار إليها أحد ضباط المخابرات المصرية الذي كلف بملاحقة الجاسوس في مذكراته التي نشرتها مجلة آخر ساعة المصرية على حلقات في أواخر 1976، فقد استفادت القيادة المصرية من الكم الهائل من المعلومات التي حصلوا عليها منه في حرب أكتوبر / تشرين أول 1973، كما سمحت اليمن لقوات مصرية بإغلاق مضيق باب المندب على مدخل البحر الأحمر والذي يقع ضمن السيادة اليمنية .. ( اكثر زياراته كانت الى السعودية ومصر).
أما المحطة الحساسة والخطيرة فكانت زيارته التاريخية الى فرنسا يوليو/ تموز 1977 والتي استقبل فيها الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان ضيفه في مطار اورلي وليس في قصر الاليزية كما يقتضي البروتوكول الفرنسي ، ونجاح الزيارة وأهميتها تمثل في صفقة الأسلحة الفرنسية المشتراة والمدفوعة قيمتها نقداً بالكامل في مفاجأة للسعوديين شعروا بأن صفقة بهذا الحجم وبهذا التنوع ليست دفاعية أبدا !(ابلغ الحمدي مع دخول الطائرة الاجواء الفرنسية بارتزاقه مولودة الرابع الذي طلب منهم تسميته ذو يزن نسبة للملك الحميري سيف بن ذي يزن محرر اليمن من الحكم الحبشي وموحده ، اما بقية اولاده فهم: دكتور محمد استاذ في كلية الهندسة جامعة صنعاء، ونشوان رجل اعمال وبنت واحدة افراح) ( أثناء العودة من هذه الزيارة قام الحمدي بزيارة الى تونس وأعلن بأنه سيتوجه بعدها في زيارة الى ليبيا ، ولكنها لم تتم فقد عاد الحمدي مباشرة الى صنعاء، مما دعا السفير الليبي الى لقاء الحمدي لمعرفة سبب إلغائها .. تم الإعلان عنها في بيان رسمي ، وعندما لم تتم لم يصدر أي بيان بذلك كما جرت العادة، والذي يعتقد لم يكن في الأساس سوى ان القذافي الذي كان يعتبر نفسه وريث الإرث الناصري وجد في الحمدي منافسا له على ذلك ، وكانت العلاقة بينهما على اقل مستوى).
سبتمبر / أيلول 1977 وفي آخر خطاب له بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لثورة ال 26 من سبتمبر / أيلول أعلن ان شهر العسل قد انتهى وبقدر المعنى الواضح حيث كان يعني في الأصل فئة التجار، الإّ ان ما بين السطور حمل الكثير ! ماذا كان يعني بالضبط .. هل يعني السعودية ؟ هل يعني مراكز القوى والتسلط والسيطرة التي أعادت ترتيب صفوفها ؟ هل يعني الفاسدين الذين لم تردعهم الشعارات التصحيحية والتي لم تكن في الواقع سوى شعارات، ومع ذلك أثرت واتت بالنتائج الإيجابية.. فلم يعلن مثلا عن قطع يد سارق أو محاكمة مرتشي، ولم يحاسب فاسد أساء استخدام أمانة المسئولية رغم وجود اللجنة العليا للتصحيح المالي والإداري، حرصه انصب على إنهاء الفترة الانتقالية التي قد تطول أو تقصر بأقل الخسائر والأخطاء، كما حرص كذلك على إظهار ان الحركة خرجت من رحم ثورة سبتمبر / أيلول الأم وأنها جاءت لتجديدها وخلق الفاعلية لأهدافها الستة التي أصبحت حبراً على ورق وليست بديلاً عنها كما اتهموه!( كان يحتفل بعيد الثورة في صنعاء ثم تعز واخيرا الحديدة) منطلقاً نحو المستقبل مع الشعب الذي اعتقد انه سيحميه بالتفافه حوله وسيجعل من يفكر في إيذائه يفكر بدل المرة مليون وان حصل فلن يهنا بالنعيم ولن يملئ الفراغ رغم إيمانه وكما كان يردد دائما: بان لا حذر من القدر.
10اكتوبر / تشرين أول من نفس العام أعلن انه سيقوم بزيارة تاريخية الى عدن هي الأولى لرئيس شمالي الى الجنوب للمشاركة في احتفالات الذكرى الرابعة والعشرين لثورة ال14 من أكتوبر/ تشرين أول التي طردت الاستعمار البريطاني ولاتخاذ خطوات وحدوية حاسمة .. ماهي هذه الخطوات ولماذا حاسمة؟!.
هل سيتم إعلان الوحدة بين الشطرين؟ او وضع اللمسات النهائية لها ؟ وهل وافق الرئيس ربّيع بان يتولى الحمدي رئاسة اليمن الموحد (الوحدة في الاساس كانت تعني عودة الفرع الى الاصل،وفقاً لمعطيات التاريخ والاتفاقات الوحدوية الموقعة في العاصمتين المصرية والليبية آواخر عام 1972..كما ان صنعاء عاصمة الشمال هي العاصمة التاريخية لليمن الواحد ) مع إزاحة العناصر الماركسية المتشددة والمرتبطة بالاتحاد السوفيتي، عبد الفتاح إسماعيل وجماعته والابتعاد التدريجي عن التبعية المطلقة للسوفييت ، وتأسيس علاقة متميزة مع الصين ؟!(تم تاجيل زيارة الحمدي للصين قبل ايام قليلة من القيام بها بسبب وفاة الرئيس الصيني ماوتسي تونج في 9/9/1976 ، وقد تمت بعد اختيار الرئيس الجديد هوا كوافنج ، فكان الحمدي آخر رئيس كان ماو يستعد لاستقباله ، وعندما تمت بعد شهرين كان الحمدي اول رئيس يستقبله كوافنج).
صباح اليوم التالي صدرت أوامر عاجلة من الأمير سلطان بن عبد العزيز وزير الدفاع والطيران ومسؤول ملف اليمن منذ الحرب اليمنية السعودية 1934 يوافقه بعض أفراد الأسرة المالكة بإيقاف قلبه عن الخفقان وفكرة عن الدوران (عندما زار الأمير سلطان اليمن للمرة الأولى في 10/4/1976لحضور اجتماعات مجلس التنسيق اليمني السعودي الذي تم تأسيسة في جده 14/8/1975واستقبله الحمدي في المطار لُفت نظره من قبل بعض أعضاء مجلس القيادة الذين يتحسسون من العلاقة مع السعودية كيف يستقبل وزير استقبال الرؤساء ؟ فرد عليهم بلطف وهو يعلم تأثير وقوة الأمير لقد أراد تهدئة اللعب والشد والجذب مع السعوديين، واشبع غرور سلطان بالاستقبال كملك خاصة بعد اغتيال الملك فيصل في 25/3/1975 الذي رحمة الله عليه رغم دهائه السياسي ومواقفه السياسية المعروفة تجاه الأنظمة الثورية، وكل من يذكره بعبد الناصرالإّ انه كان يقدر ويحترم من يبنون أوطانهم رغم خلافه معهم ولم يتبع أسلوب القتل ضد معارضيه ، كما انهم كانوا يرجعون اليه في كل كبيرة وصغيرة على عكس الملك خالد ، مضيفاً ان سلطان جاء حاملاً الخير لليمن( اعلنت الحكومة السعودية انها ستنفذ في اليمن العديد من المشاريع الحيوية ،كان الفرق بين المشاريع الكويتية والسعودية ان الاولى تضع على مشاريعها لوحة صغيرة كتب عليها هدية الشعب الكويتي الى الشعب اليمني الشقيق بينما الثانية تضع لوحه كبيرة الحجم على مشاريع عادية جداً رغم قلتها وكانت تفضل الدفع نقدا) ومن يأتينا بذلك ليس فقط استقبله في المطار بل احمله فوق ظهري ، وعندما تكرر نفس الشيء مع نائب الرئيس المصري حسني مبار ك في 21/9/1977 لم يفعلو لسبب واحد فقد كانوا يعرفون تقديره وتقدير الشعب اليمني كاملاً لمصر وتضحياتها في دعم ومساندة الثورة اليمنية ومن النفاق القول ان حدسه بان مبارك سيكون الرئيس القادم لمصر).
ولان الشعب اليمني يغفر ويتجاوز كل شئ الإّ القضايا الأخلاقية، تلقى ظهراً اتصالاً من نائبه المقدم احمد الغشمي
يدعوه الى منزله الذي يقع في ضواحي العاصمة لتناول طعام الغداء المقام بمناسبة نجاح العملية الجراحية لاستئصال الزائدة الدودية التي أجريت لعبد العزيز عبد الغني رئيس الوزراء وعضو مجلس القيادة وقد دعي اليها عدد كبير من الوزراء والشخصيات السياسية والاجتماعية المهمة ، وغاب عنها الرائد عبد الله العالم عضو مجلس القيادة وقائد قوات المظلات اقرب المقربين الى الحمدي والذي لا يحمل أي ود للغشمي، ولن يتناول الحضور الغداء مالم يحضر الرئيس ولمناقشة أمر هام وعاجل لا يحتمل التأجيل وأمام تهرب الحمدي من تلبية الدعوة خاصة وقد كلف شقيقه الأصغر عبد الرحمن بتجهيز ما تيسر أي الموجود من الطعام للغداء (عبدالرحمن الحاصل على مؤهلات عليا في الهندسة من امريكا والعضو السابق في البرلمان مطابق لابراهيم شكلا وصوتا) وكذا مغادرة سائقة الخاص الحمّامي(قتل في بداية الثمانينات اثر سقوطة في بئر) ، عرض الغشمي إرسال سائقة الخاص يعتقد انه محمد الحاوري ( اصبح في مابعد قائد الحرس الخاص للرئيس علي عبدالله صالح ثم قائدا لقوات المظلات ثم الشرطة العسكرية...) أثناء ذلك وصل سائق شقيقته الذي قام بتوصيله الى منزل الغشمي، بعد الانتهاء من طعام الغداء والدردشات الجانبية والعامة غادر الجميع وبقي الحمدي لمعرفة الأمر الهام الذي لم يكن سوى محاكمة قصيرة طرفها الرئيسي الغشمي وآخرين كان للحمدي فضل كبير عليهم؛ وهنا كثرت الروايات عن اللحظات الأخيرة في حياة الحمدي تقول إحدى الروايات ان الغشمي ابلغ الحمدي بان أخيه عبد الله الضابط العنيد والعنيف والذي يخشاه كل القادة العسكريين أولهم هو(كان إبراهيم يتحاشى ان يجتمع وأخيه عبد الله قائد قوات العمالقة المتمركزة في مدينة ذمار التي تبعد حوالي ثمانين كيلومترا الى الجنوب من صنعاء في مكان واحد مهما كانت المناسبة) ، الذي كثيراً ما قام إبراهيم بالاعتذار للغشمي عن تصرفات أخيه نحوه قد تم قتله في غرفه مجاورة ، وانك ستلحق به وعهدك يجب ان ينتهي وحراستك الرمزية غادرت بعد ان ابلغهم أحد الموجودين معنا هنا بأنك وكعادتك المحببة الى نفسك و التي يعرفونها فيك قد غادرت خلسة بمفردك للقيام بجولة تفقدية من دون حراسة، وعليهم العودة الى منزلك، نظرة سريعة من الحمدي الى الغشمي حملت معنى واحد، لقد حذروني منك ولكني تجاهلتهم ، ونظرة أخرى الى شخص من صغار الضباط كان من المبالغين في الإعجاب بالحمدي وبقيادته الفذة .. تريدون السلطة خذوها واكملوا مابدأنا ه هذا الشعب أمانة في أعناقكم ، انا مستعد للتنازل اذا قبلتم ببقائي في اليمن كان بها ، واذا أردتم ان اخرج فسأخرج، تذكر يا أبو صادق مخاطبا الغشمي اننا ودعنا القاضي الارياني من تعز معززا مكرما ، أردنا ان تكون حركتنا تصحيحية بيضاء نقية لم نبدأها بالدم، يقال ان الغشمي راق له العرض ولكن بعض الموجودين اعترضوا موضحين ان الحمدي اذا خرج فسيعيده الشعب وعلى أجسادنا التي ستكون البساط الأحمر الذي سيمشي فوقه، لأننا كشفنا أوراقنا كما أننا قد قتلنا أخوه هل تعتقد موجهين حديثهم الى الغشمي انه سيسامحنا؟ كلمة واحدة منه الى الشعب ستفتح علينا أبواب جهنم! وبطريقة هستيرية أطلقوا النار عليه.
رواية ثانية تقول: بعد دعوة الغشمي غيّر الحمدي ملابسة الرسمية على عجل واستبدلها بالزي الشعبي، وعندما وصل ادخل الى صالة الاستقبال (الديوان باللهجة اليمنية ومعروف عن ديوان الغشمي انه من الكبر والاتساع بحيث انه اذا اراد شخص مخاطبة شخص اخر بعيد عنه فما عليه الا استخدام الميكرفون ) وبعد مغادرة الضيوف استبقي الحمدي لمعرفة الأمر الهام والعاجل ، فجأة دخلتا علية شابتين فرنسيتين هما فيرونيك تروي ( من اصل روسي ابنة لجاسوس مزدوج يدعى ديمتري تروي كان يبيع معلوماته للروس والصينيين على حد سواء وعند افتضاح امره هرب مع ابنته الى فرنسا ) وفرانسواز سكريفانو ، قيل ان الحمدي تعرف على فيرو أثناء زيارته الناجحة لفرنسا فأرادوها بقدر نجاحها ان تكون لعنة تؤدي الى نهايته ، بدأتا بتقبيله واحتضانه مع دخول مصور لالتقاط عدة صور كدليل للسلوك الفاضح للزعيم الذي أحبته الأمه، الذي بدلاً من التفرغ للإعداد والتحضير للزيارة التي سيقوم بها الى عدن بعد ساعات قليلة هاهو يبذل جهداً خارقاً في حياة اللهو والمجون مع الساقطات المستوردات من الخارج؟! استل "الجنبية " الخنجر اليمني التقليدي لاحقاً بالمصور لطعنه هائجاً كالأسد الذي وقع في المصيدة : عملتها يا غشمي .. غدرت بي يا جبان؟! وفي ثوان انطلق الرصاص بغزارة وبشكل جنوني عليهم الثلاثة ! ، كانت الفكرة تصويره معهن ثم توجيه تهمة الزنا اليه والى شقيقة ، وتسجيل اعترافه بإخلاله بالأمانة والثقة التي وضعهما الشعب اليمني فيه وإذاعتها على الملأ عبر وسائل الإعلام ، فيكون القرارالرحيم بتسفيرهما الى خارج اليمن ، فيدمر الرصيد السياسي الهائل الذي حصده الأول في فترة قصيرة والرصيدالعسكري للثاني..صحيفة الأهالي المصرية والتي تم توزيعها في نفس الأسبوع في الأسواق اليمنية، والتي يبدوان الرقابة لم تنتبه الى الموضوع الذي أشار الى انه من غير المعقول حدوث ذلك من رئيس لديه ساعات فقط للقيام بزيارة تعتبر تاريخية تتطلب منه إعداد الملفات التي سيحملها معه!.
رواية ثالثة : بعد انتهاء مراسم الجنازة وهدؤ الفورة الشعبية التي لم تكن كالهدؤ الذي يسبق العاصفة ا والزلزال، وبعد محاكمة سريعة فيها من الإهانة الكثير قتل مع أخيه ثم الفرنسيتين، وهذه الرواية ارتكزت على رفض السماح لأفراد العائلة برؤية الجثتين ووسط همس أفراد العائلة بان الجثتين المكفنتين المعروضتين أمامهم ليستا لإبراهيم وعبد الله؟ !.
(مساء الأحد 2/10/1977 استقلت فيرو وفرانكا طائرة الخطوط الإثيوبية التي انطلقت بهما من باريس الى أديس أبابا وبعد توقف لم يتعد الساعة الواحدة تابعت الطائرة رحلتها الى صنعاء، ونزلت الشابتان في المطار اليمني حيث استقبلهما موظفان في الأمن العام يشبهان الى حد بعيد الشابين اللذين أوصلاهما بالسيارة الى مطار اورلي وسهلا دخولهما الطائرة بعد ان سلماهما الجوازين اللذين يحملان تأشيرة الدخول الى اليمن، وأنزلت الضيفتان في سام أوتيل (يقع على بعد أمتار قليلة من مبنى القيادة العامة للقوات المسلحة حيث مكتب الحمدي الرئيسي الذي كان يدير منه شؤون الدولة) وهو الفندق العصري الوحيد في المدينة ولكنهما لم تستطيعا الخروج من الغرفة فقد وضعت السلطات اليمنية حراسة مشددة حولهما ...لم يعرف حتى الآن كيف أمضت الشابتان أيامهما في اليمن ولا كيف انتقلتا من صنعاء الى تعز، وكل ما هو معروف اليوم ان فيرو بعد أسبوع من وصولها الى اليمن بدأت تتخوف من هذه السفرة الغريبة حيث كل شي متوفر وحيث الضيافة رائعة، ولكن حيث لا حرية في التنقل فاتصلت هاتفيا بضابط كبير من أصدقائها في باريس لان المخابرات الدولية مؤمنه في الفندق، وقالت له انها سجينة في قفص ذهبي ولكن سجينة حتى العاشر من تشرين الأول أكتوبر(1977)...
وصلت أنباء مقتل الصبيتين الى باريس بعد أسبوع وكانت قد انتشرت قبل ذلك أنباء مقتل الرئيس اليمني، صعق والد فيرو عندما عرف بالأمر وحاول الاتصال بالمخرج ليبوفيشي ( منتج سينمائي فرنسي رتب رحلة فيرو التي اصطحبت معها صديقتها فرانسواز او فرانكا كما يسمونها الى اليمن، وقد قتل بعد سبع سنوات في ظروف غامضة واتهم والد فيرو بالعملية) ولكن المخرج تهرب من الاجتماع به وكأنه يخشى تحمل مسئولية ما حصل؟!).
ومثل كثير من عمليات الاغتيال الغامض لشخصيات مهمة، سيظل هناك تلهف لمعرفة الحقيقة كاملة.. فمتى؟؟
السؤال المهم ما الذي جعل الاغتيال يتم بهذه السرعة وبهذه الخطة المفضوحة وفي وضح النهار؟ الجواب أكيد أنها الزيارة الهامة جدا التي ستتم بعد ساعات الى الجنوب، والتي لا يعرف عن تفاصيلها ودوافعها الحقيقية ونتائجها سوى اقرب رجلين إليه عبد الغني وعبد العالم ، ولكن اتضح ان المسؤولين السعوديين وفي مقدمتهم سلطان حصلوا على المعلومات التفصيلية الكاملة والدقيقة لهذه الزيارة ، والتي ستعني الكثير لمسيرة الوحدة اليمنية و ستخلط الأوراق في اليمن وان كان سيريح السعودية إبعاد عبد الفتاح الإّ أن أي خطوة متقدمة باتجاه الوحدة الحقيقية تقض مضاجعهم وتقلق منامهم! .
عند منتصف الليل والغالبية العظمى نيام أعلن الخبر الفاجعة (بصوت المذيع عبدالملك العيزري) فظنوا أول الأمر انه كابوس، وعندما تأكدوا انه حقيقة عرف الجميع على الفور الأمي قبل المتعلم الفاعل والدوافع ، وبعد تصريح الناطق الرسمي حول الحادث الذي أذيع بعد خمسة أيام وغمز بخبث الى المنزل المتواضع ( للزعيم المتواضع) الخاص بالراحة ( الجنسية ) :
" في فترة بعد الظهر من يوم الثلاثاء الحادي عشر من شهر / أكتوبر الجاري غادر منزلة الذي اعتاد استقبال بعض الزائرين والموظفين فيه الى المنزل المتواضع الذي استأجره أخوه المقدم عبد الله محمد الحمدي، وجعله شبه استراحة للاستجمام من عناء الأعمال..." ثم كلمة الغشمي بعد أربعة أيام وجاء فيها: ".. . ومع ذلك راح المغرضون ينشرون الشائعات والأقاويل، ولعلهم استغلوا عدم قيامنا بإصدار بيان يوضح ظروف الحادث، ولقد كان سكوتنا بدافع الوفاء (يقصد بالوفاء عدم إعلان تفاصيل الحادث النسائي المشبوه على الملأ)! ...ان القتلة المجرمين ما كانوا ليستطيعوا ان يطالوه ويغتالوه لو انه لم يكن يستهين بحياته ونفسه ، ويخرج في بعض الأحيان لوحده ويقود سيارته بنفسه متخففاً من قيود الحراسة التي كانت مفروضة عليه بحكم أهمية مركزه ، كما كنا نقول له : انك لست ملك نفسك وانما ملك الناس جميعاً الذين يعلقون عليك الآمال ويرون فيك القائد والزعيم، وكان يعدنا بالعدول عن ذلك فيعدل لفترة ثم يعود الى الخروج وحيداً معتمداً على حب المواطنين له ... كيف يمكن ان يغتال رئيسنا وفي قلب العاصمة ؟ وكيف يمكن ان نقنع المواطنين بان الرئيس لم يكن مصحوباً بحراسة ومرافقين وانه كان في دار خاصة استأجرها أخوه الشهيد المقدم عبد الله الحمدي".
علق كل من سمع او قرا ذلك بالقول لقد اختيرت التهمة الغير مناسبة في الوقت غير المناسب، فالبيان والكلمة لم يشيرا لا من قريب ولا من بعيد الى المكالمة الهاتفية التي بموجبها ذهب الرئيس الى منزل النائب بلا عوده خاصة مع وجود شهود عليها ، كما تم التسريب الى وسائل الإعلام العالمية بما أسموه الفضيحة؟!وقد ُسئل الشيخ سنان أبو لحوم في مقابلة صحفية مع صحيفة الأيام في 2001عن ذلك اليوم فأجاب: باختصار ذهب الحمدي الى بيت الغشمي ولم يخرج ؟!.
يوم التشييع عبر الشعب عن غضبه وحزنه برمي خليفته الرئيس الغشمي بالأحذية التي نال ربيّع الذي شارك في الجنازة نصيبا منها على أنغام سيمفونية حزينة صاخبة بصوت واحد تداخلت واختلطت فيها عبارتان:
أين القاتل ياغشمي ؟!
أنت القاتل ياغشمي؟!
لم يهنا الخلف بكرسي السلف فبعد أسبوع دخل عليه في مكتبة الرائد زيد الكبسي صديق إبراهيم الحميم الذي بدا أولا بمحاكمته، ثم عندما همْ بإطلاق الرصاص عليه قاصدا قتله اختبأ الغشمي تحت الطاولة صائحاً بالحرس الخاص لنجدته فاردي الكبسي قتيلاً على الفور.
ثم قيام الرائد عبد الله عبد العالم قائد قوات المظلات بمحاولة تمرد فاشلة أواخر إبريل / نيسان 1978 كلف الرائد علي عبد الله صالح قائد لواء تعز بالقضاء عليها؟!( كان يطلق الحمدي على صالح وصف تيس الضباط ،ولم يكن القصد الفحوله بقدر مايعني العناد والاقدام ،ولذا تجاوز به الاقدم منه في الرتبه والخدمة فرقاه وعينه في فترة قصيرة في منصب هام ولمدينة استراتيجية ، قائداً للواء تعزوقائدا للقاعدة العسكرية خالد بن الوليد الذي اوصله في مابعد الى كرسي الرئاسة؟! ).
في 24/6/1978 وبعد ثمانية اشهر في الحكم جاء مبعوث خاص للرئيس ربيّع الذي اقسم فوق جثة الحمدي بأنه سينتقم من القتلة في زيارة لها علاقة بمحاولة التمرد حاملاً رسالة للغشمي وحقيبة ملغومة أودت بحياة الاثنين وليلحق به ربيّع بعد يومين إعداما بسبب تداعيات الحادث ومع ان الغشمي وبعد المتاعب الذي صادفها منذ اليوم الأول عزز من إجراءات الأمن بشكل مبالغ فيه، حيث ضم موكبه لأول مرة مصفحات عسكرية، الإّ انه في ذلك اليوم طلب ان يدخل اليه المبعوث الحاج تفاريش مباشرة و بدون تفتيش وكان دائم السؤال عنه و عن موعد وصوله أمام استغراب مدير مكتبة ؟!(استقبله في المطار المقدم محمد خميس رئيس المخابرات والرائد علي الشاطر مدير التوجيه المعنوي) .
بيان اغتيال رئيس الجمهورية والقائد العام للقوات المسلحة احمد حسين الغشمي (بعد تولي الغشمي الحكم وبعد تعيين اعضاء مجلس الشعب التاسيسي تم تغييرشكل رئاسة الدوله من مجلس القيادة الى رئاسة الجمهورية ) أذيع حوالي السابعة مساءاً وكانت المفاجأة الفرحة التي عمت الجميع (ليس مبالغة ولكنها الحقيقة) ، لأن ربيّع انتقم من قتلة شريكه في مسيرة الوحدة؛ وقد أوضح الرئيس الأسبق علي ناصر محمد في حديث لمجلة التضامن في 15/8/1987 العدد رقم 227 بان المبعوث قريب لصالح مصلح وزير الداخلية (الدفاع في ما بعد) صاحب فكرة اغتيال الغشمي وان ربيّع تردد كثيرا قبل الموافقة عليها ، ولكن التنظيم السياسي الموحد للجبهة القومية الحزب الحاكم في الجنوب حمله المسئولية كاملة ، وبعد الرفض والمواجهة المسلحة تم إعدامه مع مجموعة من مؤيديه ( الراوية التي انتشرت في الشمال قبل المقابلة مع علي ناصرتقول: ان تهديد ربيّع بالانتقام من القتلة وصلت الى عبد الفتاح اسماعيل الامين العام للجبهة القومية الذي كان ربيّع رئيس مجلس الرئاسة الامين العام المساعد له عن طريق احد اعضاء الوفد المرافق، والذي كان يبحث عن فرصة وسبب للقضاء على ربيّع ، وقد جاءته بعد الاتصال حيث تم تلغيم الحقيبة دون علم ربيّع لأن اصابع الاتهام ستتجه مباشرة اليه سواء تم الاغتيال او اكتشفت الحقيبة ، وعندما تمت العملية واتهمت وسائل الاعلام في الشمال مباشرة ربيّع بالوقوف ورائها ، دعي ربيّع الى اجتماع طارئ للمكتب السياسي للجبهة لتوضيح موقفه ، وقد رفض الدعوة واعلن التمرد الذي انتهى باعدامه) .
في 15/10/1978 قام مجموعة من أصدقاء ومؤيدي الحمدي الناصريين مدنيين وعسكريين بمحاولة انقلاب فاشلة بتمويل من ليبيا ضد خليفة الخلف الرئيس علي عبد الله صالح بعد ثلاثة اشهر فقط من تسلمه الرئاسة مستغلين وجوده خارج العاصمة في زيارة تفقدية لمحافظتي الحديدة وتعز(كان من ضمن الوفد المرافق للرئيس عبدالسلام مقبل وزير الشؤون الاجتماعية والعمل احد قادة الانقلاب)؟! .
- قالوا عن الحمدي-
قضيت بعد ذلك ليلتين في مانيلا عاصمة الفلبين تعرضت خلالهما الى صدمتين الأولى أدبية والثانية معنوية ففي صباح اليوم التالي لوصولي طالعت في الصحف نبأ مصرع الرئيس اليمني إبراهيم محمد الحمدي في ظروف غامضة وكان رحمه الله محبوباً من شعبة ومحل تقدير واحترام ..
السفير / طلعت يعقوب الغصين خمس جنسيات والوطن واحد 1981
(منع في اليمن توزيع هذا الكتاب للسفيرالغصين حامل الخمس جنسيات عربية : فلسطينيية مصرية لبنانية يمنية كويتية ، رغم قيمته التاريخية والوثائقية عن اليمن لانه فقط فيه صورة للحمدي وتلك الاسطرعنه ، الغصين الذي عمل مستشارا خاصا للامام احمد بن يحي حميدالدين في منتصف الخمسينيات قبل الانتقال الى الكويت، كان في طريقه الى اليمن لتقديم اوراق اعتماده الى الحمدي كسفير للكويت وبعد الاغتيال عاد الى الكويت ،وتم تجهيز اوراق اعتماده التي سيقدمها الى الغشمي للمرة الثانية.. فتوفى امير الكويت الشيخ صباح السالم فاعيد تجهيزها للمرة الثالثة من الحاكم الجديدالشيخ جابر الى الرئيس الجديدالغشمي).
الجدير بالذكر أن المجموعة المحتجزة في مصر ضمت إبراهيم الحمدي رئيس اليمن في ما بعد (1974-1977) وصاحب الرؤية الناضجة في بناء الدولة المركزية في اليمن ، وصاحب نظرة بالغة التقدير للدور المصري في اليمن ( يقصد المؤلف مجموعة الوزراء والضباط الذين تم احتجازهم في القاهرة لمدة عام من سبتمبر/ ايلول 66 الى اكتوبر / تشرين اول 67 بعد خلافهم مع المشير السلال .. منهم من وضع في السجن الحربي كالحمدي والشيخ الاحمر والنعمان وغيرهم، و القاضي الارياني واخرون تحت الاقامة الجبرية .
ان الحمدي العضو السابق في حركة القوميين العرب حسب في فترة لاحقة على التيار الناصري كما ورد في كلمة لعبدالغني ثابت الامين العام السابق للتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري في الاحتفال بالذكرى ال17 للحركة التصحيحية بان الحمدي التقي القيادي البارز في التنظيم عيسى محمد سيف ( احد قادة الانقلاب الناصري الفاشل ضد الرئيس صالح عام 78 ) في25 ابريل/ نيسان 76 وانه ادى قسم الانضمام للحزب .
قورن سلوك الحمدي وخطواته بما قام به الرئيس الراحل جمال عبدالناصر( انظر لغة الارقام بين عبدالناصر والحمدي في الارشيف)
احمد يوسف احمد الدور المصري في اليمن 1962-1967 (1981)
11/10/1977 في ذلك اليوم لاقى الحمدي اغرب مقتل إذ سجلت الجريمة ضد مجهول لأول مرة في مقاتل الرؤساء، فقيل فيه عدة أقاويل كلها في صالح الحمدي إذ شيعت نعشة اكبر مظاهرة جماهيرية عرفتها صنعاء.
عبد الله البردوني .. اليمن الجمهوري 1983
قاد مشاريع تنمية اقتصادية ... وبدا ينهج سياسة مستقلة عن السعودية خارجياً، وسياسة إنمائية مركزية معادية للقبائل داخلياً .
د. عبد الوهاب الكيالي موسوعة السياسة الجزء الأول 1985
في 12 تشرين أول / أكتوبر 1977 نقلت وكالة الأنباء نباَ مؤلماً مصرع الرئيس اليمني الشمالي إبراهيم الحمدي 34 سنة وشقيقة المقدم عبد الله محمد الحمدي ، الجريمة أحدثت ضجة في كل العواصم العربية هي الضجة التي يثيرها عادة اغتيال رؤساء الدول، وساعد على إعطاء الحادث حجمه السياسي ان المقدم الحمدي لم يكن رجل دولة عادياً فطموحة الى بناء يمن معاصر كان طموح القادة التاريخيين ، شاب اسمر يحب اليمن اكثر مما يحكمها ، ويصل الليل بالنهار من اجل المستقبل في بلد لا يعرف طعم الراحة مات برصاصة، من حق اليمن ان يحزن .. فالحمدي بنى الجيش وأرسى كادرات الدولة الأولى، واستعان بالشرق والغرب معاً من اجل نقل دولة القبائل الى حد أدنى من المعاصرة ، ومن حق الذين يبحثون عن أسباب الاغتيال ودوافع الجريمة ان يبدأوا بطرح السؤال التقليدي من يستفيد من غياب الحمدي ؟ .
هاني الخيّر .. أشهر الاغتيالات السياسية في العالم 1985
كان الملك فيصل في بعض الأحيان يعبر عن عدم رضائه عن نظام الحمدي... وقد أثيرت مشكلة الحدود بين الدولتين في عهد الحمدي حيث تجدد الخلاف مرة أخرى عام 1974 بعد انتهاء مدة اتفاقية الطائف 1934
وقد ظل الحمدي محتفظاً بعلاقاته مع الجنوب والمعسكر الاشتراكي، ولم يرضخ لضغوط المشائخ ورجال القبائل الموالين للسعودية بالتخلي عن تلك العلاقة، الأمر الذي دفع القيادة في السعودية لان تدعو الحمدي للقاء سري في الرياض في أغسطس / آب 1977 بهدف مراجعة الموقف اليمني معه ، فقد كانت العلاقة بين الدولتين تمارس على مستويات مختلفة وتتأرجح بين التقارب والتباعد ، وقد قيل ان وجهات النظر بين البلدين كانت متباينة أثناء تلك الزيارة وان الخلاف اشتد عندما أصرت السعودية على اقتطاع جزء من الأراضي اليمنية وضمها الى السعودية .
( تبلغ مساحة الاراضي التي استولت عليها السعودية من اليمن اكثر من مليون كيلو متر مربع هي على التوالي: عسير 1926.. جيزان 1933.. نجران1934.. الشرورة 1961 .. الوديعة 1969 ، جزيرة الدويمه 1998 اضافة الى الربع الخالي)( انظرموضوع: معاهدة الحدود اليمنية السعودية نهاية ازمة ام البداية ؟ في الارشيف)
خديجة الهيصمي .. العلاقات اليمنية السعودية 1962-1980 (1988)
في هذه الأثناء كانت زيارة الرئيس اليمني إبراهيم الحمدي لباريس ، كان ذلك في شهر تموز/ يوليو 1977، وأبدت الحكومة الفرنسية اهتماماً كبيراً بالزائر الشاب ولاسيما انه مستعد لإجراء اتفاقات تجارية وعسكرية مع الدول الغربية...في تشرين الأول / أكتوبر 1977وجد الرئيس اليمني إبراهيم الحمدي مقتولاً مع شقيقة عبد الله وكان الى جانبهما شابتان فرنسيتان مقتولتان أيضا،الصحافة الفرنسية تحاول إعادة فتح الملف ، فقد تكون هناك اكثر من جهة مخابراتية ذات علاقة بالموضوع.. مخابرات دول شرقية وغربية غير المخابرات الفرنسية؟!.
نهاد صوراني .. مجلة الدولية 19/5/1993
قتل خصوم رئيس الجمهورية العربية اليمنية الرئيس إبراهيم الحمدي ومعه شقيقة، ثم قتلوا فتاتين فرنسيتين في الشارع والقوا جثتيهما مع جثتي الحمدي وشقيقة ، وجاء قاضي تعز وآخرون ليشهدوا ان الرئيس وشقيقة قتلا في حادث نسائي مشبوه وان ذلك من غضب الله.
الياس البيطار .. نذالة السياسة وسياسة النذالة .. صحيفة المستقبل الكندية 23/2/2000
من مكتب صغير في مبنى القيادة العسكرية كان الحمدي يقود اليمن ، كان يعمل ويأكل وينام في المكتب الصغير ، وقلت له يومها أنني صحافي ابحث عن الحقيقة فيما يجري في اليمن ؟ وتحدث الرجل يومها طويلا عن واقع اليمن المؤلم الذي عايشه وغاص فيه حتى النخاع ، وأسهب طويلا في الأسباب التي دعته الى الثورة على حكم الرئيس الارياني الذي يكن له كل التقدير، وامتد بنا الحديث يومها بينما الظلام يلف صنعاء كلها ليفتح الرجل قلبه ويفكر كما يقولون بصوت عال حول ما يرجوه لليمن وحول أحلامه للخروج من حلقة التخلف المطبقة عليه ، ومن دوامة النزاعات القبلية التي شلت حركته ، ومن دائرة الأطماع الخارجية التي تتنازعه يمينا ويسار، شرقا وغربا ، تقدما وتخلفا ، وكان الحمدي كريما معي فلم يكتف بان أكون أول من يجري حديثا صحفيا معه بعد الانقلاب(19 /6/1974) بل أعطاني بعض الوثائق والرسائل التي تبادلها مع الرئيس الارياني والتي تلقي ضؤا على حقيقة ما جرى ويجري في اليمن وقتها، واغتيل الحمدي قتل غدرا وقتلت معه طموحاته الحالمة وأحلامه الطموحة، كان رجلا صاحب قضية اخلص لها من البداية الى النهاية.
يحي حمزة مجلة الوحدوي الصادرة عن جبهة 13 يونيو للقوى الشعبية اليمنية(يونيو /حزيران1983) نقلا عن صحيفة الأنباء الكويتية
...وظهرت فيما بعد الطبيعة المتوازنة للسياسة الخارجية في تعزيزها على اكثر من خط وخاصة فرنسا والاتحاد السوفيتي كطرفي يمين ويسار في العالم، وهذا يخالف ما يطرحه البعض عن الطبيعة المتطرفة ليسارية الحمدي ، وهي التهمة التي كانت موجهة الى سالم ربيّع علي أيضا، والتي بسبب عكسها تماما في ما بعد استهدفته السياسة السوفيتية وقضت عليه وتتلافى ذكر اسمه في كل أدبياتها وتوثيقاتها المتواصلة للحياة السياسية الدولية والإقليمية والمحلية ،وهي الحقيقة التي دفع الزعيمان حياتهما ثمنا لها ولكونهما قد مثلا فرصة متجانسة ونادرة أمام الشعب اليمني في سبيل الوحدة والتحرر والتنمية.
التطور السياسي للجمهورية العربية اليمنية اليناك جلوبوفسكايا
(ابراهيم الحمدي والحركة التصحيحية بعيون روسية .. محمد صالح الحاضري صحيفة الوحدوي 1995 )
- عادة مألوفة في اليمن كما هي في معظم دول العالم الثالث ان يغطي العهد الجديد لوحات أحجار الأساس لمشاريع نفذها العهد السابق حتى وان كانت هامة وحيوية بأحجار أخرى، او بعدم الإشارة الى صاحب الفضل في الحصول عليها مع ان الفضل نفسه بل واكثر يعود الى من أخرجها الى الوجود كما حدث عند افتتاح المدينة الرياضية بصنعاء في 25/12/ 1984هدية كيم أيل سونغ وحكومة كوريا الشمالية أثناء زيارة الحمدي لبيونغ يانغ أواخر ديسمبر / كانون أول 1976، ومشروع سد مأرب في 21/12/1986(بلغت تكاليفة 90 مليون دولار ونفذته شركة تركية ، وحضر حفل الافتتاح الى جانب الرئيس صالح الشيخ زايد ورئيس الوزراء التركي تورغوت اوزال والرائد الخويلدي الحميدي عضو القيادة الليبية ) وغيرها من المشاريع التي افتتحت بعد رحيله او الأفكار التي تم تطبيقها او العادات التي تم الاستمرار عليها ، كفكرة تأسيس المؤتمر الشعبي العام الذي راس الحمدي اجتماعا للجنته التحضيرية قبل اغتياله بأيام(كان من المقرر ان يعقد المؤتمر في نوفمبر / تشرين اول 77، ولكنه عقد بعد ذلك في اغسطس/اب 82)، او الأمسيات الرمضانية التي كان يلتقي فيها بقطاعات مختلفة من المجتمع اليمني وغيرها وغيرها، واعتبر طابع البريد الذي صدر بمناسبة أربعينية رحيله آخر ما تبقى له من ذكرى ولعهده من وجود!.
بعد عرض حلقتين من المسلسل التليفزيوني" في بيتنا رجل " قصة نجيب محفوظ عام 1979 بطولة الفنان عبد الرحمن علي، تنبهوا الى ان البطل اسمه إبراهيم حمدي مناضل مصري ضد الملكية والإنجليز استشهد في النهاية فأوقف المسلسل، فعثر المواطنين الشغوفين على ضآلتهم في الفيلم الذي يحمل نفس الاسم بطولة عمر الشريف !؟.
صحيفة صوت الحقيقة صاحب امتيازها ورئيس تحريرها الصحفي خالد المتوكل نشرت في أحد أعدادها في أواخر الثمانينات قبل الوحدة وقبل التعدية السياسية صورة كبيرة للحمدي على الصفحة الأولى فكانت أول صحيفة تقدم على ذلك وتكسر الحظر، فنفذت الكمية من الأسواق بسرعة البرق ليس بسبب المحتوى بل بسبب الصورة، خالد قتل بعد ذلك في ظروف غامضة مع صديقة الأديب عبد الرحمن الحجري بعد جلسة غداء، ذهبا وذهب السر معهما .
أطلق الكثير من الآباء على أولادهم الذين ولدوا في تلك الفترة اسم إبراهيم.
أطلق اسمه على شارع في العاصمة مقديشو خلال زيارة له الى الصومال.
- من أقواله-
لسنا حكاما عليكم بل خداما لكم
نحن والجنوب شعب واحد اسمه اليمن ، ومهما كانت الجراح أحيانا فالمسؤولية تحتم التغلب عليها من واقع حرصنا على مصالح الشعب اليماني الواحد في شطري اليمن، وأملنا في تحقيق هذه الوحدة كبير والموضوع هو العامل الزمني 2/7/1975
الوحدة اليمنية مطلب أساسي لكل يمني وسنعمل من اجل تحقيقه 11/1/1976
ان عملا واحدا في الميدان لا تساويه ألف كلمة في الميزان
التجريب بالمجرب(الفاسد) خطا والتصحيح بالمجرب خطا مرتين
- من خطاباته
أيها الاخوة المواطنون الأحرار:
لاشك في أنكم قد تابعتم وعلمتم الموقف وتطوراته سواء من خلال الأحاديث اليومية المتداولة من قبل حدوث الأزمة بأيام قليلة او من خلال البيان الأول لمجلس القيادة الذي أذيع عليكم بعد انفجار هذه الأزمة السياسية المؤسفة... ان الجو السياسي في بلدنا قد تعكر وامتلأت سماؤه بغيوم كثيفة ، وان تباينا في وجهات النظر قد ظهر وبحدة حتى سحب نفسه على أوضاع البلاد العامة ، وجعل الفساد الإداري والمالي يستشري بصورة واضحة وكاد الانفلات والاستهتار بالمسؤولية يشملان أجهزتنا ومؤسساتنا المختلفة، الأمر الذي حدا بسيادة القاضي عبد الرحمن الارياني وزملائه في المجلس الجمهوري الى تقديم استقالتهم الى الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر بصفته رئيسا لمجلس الشورى ، والذي قام بدوره فأرسل إلينا باستقالته مع استقالة رئيس وأعضاء المجلس الجمهوري ، ولان الموقف قد وصل الى هذا الحد الذي يصعب معه الإقناع بالعدول عن الاستقالة وتسوية الأزمة ...كان لابد من أن نواجه المسؤولية ونتحمل العبء حاسبين للمتاعب والصعوبات حسابها ...
( جزء من بيانه السياسي الأول 15/6/1974)
أيها الاخوة المواطنون:
أننا لا نريد ولن نرضى أبدا أن يذهب مسؤول ليحل محله مسؤول آخر، والصورة تبقى هي الصورة ، والوضع يبقى هو الوضع، وان يكون نصيب الشعب دائما هي الوعود التي لا تحقق... وان على كل مسؤول صغير او كبير ان يقدر ويحترم ثقة الشعب وان يفي بكافة واجباته والتزاماته تجاه هذا الشعب...
( جزء من خطابه الأول 23 /6/1974)
أيها الاخوة المواطنون:
إن حركة الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني 1967 التي قام بها القاضي الارياني ضد المشير عبدالله السلال) التصحيحية قد سارت في الطريق الذي رسم لها ، وهي بطبيعة الحال مجرد حركة تصحيح لمسار الثورة، وقد قطعت والحق يقال أشواطا لا يستهان بها بعد المصالحة الوطنية ( عام 1970بين الجمهوريين المدعومين من مصر والملكيين المدعومين من السعودية) وانتشار السلام والأمن والاستقرار ملء ربوع بلادنا في مختلف المجالات وفقا للإمكانيات المتاحة ...
( جزء من خطابه عشية الذكرى ال12 للثورة 25/9/1974)
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله…
أيها الاخوة المواطنين الأحرار في داخل الوطن، ام في مهاجركم تحية الثورة والحب والإخاء تحية التصحيح والبناء والتطوير أزفها اليكم مقرونة بأجمل التهاني سائلاً من الله سبحانه ان يوفقنا الى ما فيه الخير…
أيها الاخوة المواطنين:
يسعدني ويشرفني ان أتحدث إليكم بمناسبة الذكرى الخامسة عشر لثورتنا الظافرة ثورة السادس والعشرين من سبتمبر… ولست أيها الاخوة اعتبر هذه المناسبة العظيمة هي الوحيدة للالتقاء بكم والحديث اليكم فأنا على لقاء دائم بكم بقلبي ومشاعري ومن خلال المناسبات التي تتيحها لنا مختلف المؤسسات والهيئات، لكنني اغتنمها اسعد فرصة للحديث اليكم بقلب مفتوح وأطرحكم في الصورة أمام قضايانا المتعددة، وكل ما يجري اليوم في بلادنا على كافة المستويات اقتصادية وانمائية واجتماعية وسياسية…
ايها الاخوة الأحرار:
ليس عسيراً على المسؤول ان يتحدث إلى الجماهير ...ويروي لهم احلامه وتطلعاته نحو بناء حياتهم وحياة أبنائهم مستقبلاً فايسر ما يكون هذا الكلام النظري لكن من الناحية العلمية تأتى الصعوبة…
نحن أيها الاخوة… بعد مرور ثلاثة أعوام على حركة الثالث عشر من يونيو التصحيحية وبعد خمسة عشر عاماً مضت على قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر الظافرة اكتسبنا تجربة لا يمكن التقليل منها مكنتنا من ان ننظر على قضايانا داخلية وخارجية نظرة واقعية ونتعامل معها بمنطقية ونسميها بأسمائها الصريحة والواضحة.
نحن اليوم بعد ان مررنا بكل التجارب والظروف حلوها ومرها مستهدفين خدمة وطننا وامتنا، نجد أنفسنا كمسؤولين على مستوى القيادة السياسية والقيادات التنفيذية مدنية وعسكرية أمام قضايا كبيرة بدون البناء على رمل او كالذي يقبض كفه على الماء من الذي لا شك فيه ولا ارتياب هو ان أهم قضايانا التي يجب ان نجند أنفسنا جميعاً لخدمتها هي قضية التنمية ذات التخطيط والبرمجة هذه القضية التي ظلت مطروحة على الرف طوال الأعوام التي تلت الثورة الى ان قامت حركة الثالث عشر من يونيو التصحيحية التي وضعت على رأس برنامجها التصحيحي الثورة في مختلف المجالات التنمية بكل ما لكلمة التنمية من معنى التنمية البشرية.. التنمية الاقتصادية.
أيها الاخوة… أنني اليوم عندما أتحدث عن هذه القضية اطرح أمامكم موضوعها وما أمكن التوصل عليه بشأنها إنما لأضع المقارنة بين ما كنا عليه وما نحن عليه اليوم وليس هذا تقليلاً من شان المنجزات التي تحققت عفوياً وبدون برمجة ولا تخطيط من بعد قيام ثورتنا الظافرة وإنما من قبيل توضيح ما للبرمجة والتخطيط من أهمية في تحقيق الكثير والكثير من المنجزات.
قامت الثورة ايها الاخوة المواطنين ولكنا كنا نتصور انه بمجرد اقتلاع الإمامة من جذورها ستنتهي كل المعضلات والمشاكل، ولم يكن في بال أحد ما تعنيه قيام الثورة من تغيير ، وما يتطلبه من جهد وتضحيات من اجل ترسيخ اليقين الثوري في النفوس من ناحية، ومن ناحية ثانية ما ينبغي عمله في سبيل تجنيب الشعب معركة الصراع ولان بعض المسؤولين من بداية قيام الثورة إلى أعوام تلت ذلك ظلوا يتمثلون الثورة مناصب ومراكز حتى ولو كان ذلك على حساب الثورة ومبادئها الستة الخالدة فان العقم كاد يدرك ثورتنا، وكادت الشيخوخة تدب في كيانها… وهذا ما أدركته حركة الثالث عشر من يونيو فرسمت خط سيرها التصحيحي على تصور وتمثل المسؤولية الوطنية بعيداً عن صراع المصالح والنفعية والارتزاق وممارسة ضروب العمالة…
ايها الاخوة المواطنين اينما كنتم وحيثما تكونون لقد تلخصت ثورتنا الظافرة في مبادئها الستة الخالدة والتي يأتي في مقدمتها بالمعنى بناء المجتمع اليمني بعد زوال الإمامة على أساس من العدل وتكافؤ الفرص وصولاً الى تحقيق بقية الديمقراطية الحقة في ظل المبادئ والى تحقيق نظام جمهوري عادل له ضوابطه وله في نفس الوقت المدلول الوطني الشامل، وفي سبيل ذلك أيها الاخوة ركزنا على نقطتين أساسيتين لخدمة المبادئ الستة لثورتنا الظافرة…
النقطة الأولى:
تصحيح ما هو قائم بحيث يصح عليه البناء الفوقي
النقطة الثانية:
هي التخطيط والبرمجة في توجه الدولة نحو التنمية الاقتصادية والبشرية والاجتماعية بحيث يتأتى لنا كدولة وكشعب ان ندخل من الأبواب الفسيحة الى ما في هذا القصد من ظواهر تقدم وحضارة ونتعامل مع النافع منها لصالحنا وفق مبادئ ثورتنا إصلاحيا واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً.
لقد كان لنا برنامج ثلاثي للإنماء والتطوير الاقتصادي والاجتماعي ، ووضع أقدامنا على درجات السلم بثبات في المجال الداخلي والخارجي ، ولا ندعي لأنفسنا أننا قد نفذنا ذلك البرنامج وطبقناه كلاماً وانما نستطيع ان نقول أننا الى جانب من أمكن لنا ان نطبقه من ذلك البرنامج وهو نسبه منطقية بالنظر الى ما أحاط بنا من ظروف قد استفدنا كثيراً اذ أننا دخلنا تجربة الخطأ والصواب في التخطيط والبرمجة، وكسبنا معرفة الخبرة بمواطن ضعف ونقص ما كنا لنعرفها لو لم نضع ذلك البرنامج ولذا فان وضع الخطة الخمسية الشاملة قد تم على أساس من المعرفة والتجربة…
أيها الاخوة الأحرار :
نحن نعرف أيها الاخوة انه منذ قامت ثورتنا الظافرة تلقت جمهوريتنا الفتية الكثير من المعونات والقروض من الأشقاء والأصدقاء والمؤسسات او المصارف الإنمائية العربية والدولية بغية خلق اقتصاد في بلادنا وتنمية وعلى رغبة في الاستثمار المساعدة على خلق تطور سريع، وفي نفس الوقت في التعاون على محاربة التخلف الرهيب الذي ورثناه من الحكم الإمامي المتوكلي المباد، والإسهام في توثيق عرى مصالحنا بالأشقاء والأصدقاء وتلك المؤسسات الاقتصادية ونعرف كذلك ان معظم من أعانوا او ساعدوا وقدموا القروض قد ضاقوا ذرعاً لاننا لم نستطع ان نستوعب ما قدموه ولم نوظفه في الأغراض والمشاريع التي كان يخصص لها ولهم الحق لانهم يريدون بما يقدمونه عائداً معنوياً ومادياً…
انا اليوم لا أتجنى على أحد من الاخوة الذين سبقوني وأنما أعيد ضياع كل ما انصبت على جمهوريتنا من معونات وقروض مخصصة لمشاريع معينة الى غياب او انعدام التخطيط والبرمجة والى الارتجالية في المشاريع ومراعاة الأمزجة في توزيع تلك المشاريع التي فشل معظمها ان لم نقل كلها ومن خلال الخطة الخمسية الشاملة تبدو هذه الحقيقة ناصعة وجلية ويتضح ان هذه الخطة الطموحة لم تحارب أحدا ولم تخضع لمزاج أحد وفي الوقت ذاته لم تفرق بين محافظة وأخرى في مشاريع التنمية والخدمات واعتبرها انا شخصياً إنجازا ضخماً وأدعو الى العمل من اجل تحقيق ما تضمنته من المشاريع أدعو كل مواطن شريف فهي منافذنا الى مقاومة وقهر التخلف الذي خلفته لنا الإمامة البائدة وما تكون بعد إبادتها من أخطاء مكنت ذلك التخلف من ان يفاقم حدته…
أيها الاخوة المواطنين:
ان هذا العصر هو عصر الحضارة والتقدم والازدهار ، ولكن الدخول اليه لا يمكن ان يتم ارتجالاً ولا عفوياً لا بد من التخطيط العلمي والبرمجة القائمة على أساس من فهم ما نريد وخطتنا الخمسية قد جاءت بعد دراسات متكاملة وناضجة وساهمت في وضعها الخبرات العلمية التي استعنا بها...
هناك من يضع بعض التساؤلات حول هذه الخطة وأهمها انها أعطت جانب برامج الخدمات اكثر من الذي أعطته برامج التنمية، وهناك من يركز على جانب التمويل فالجانب الأول نقول ان جانب الخدمات لم يأخذ النصيب الأوفر وان معظم هذا الجانب هو خدمات الإنماء، التعليم مثلاً من الخدمات التي تقدمها الدولة للشعب لكنه مرتبط بالتنمية في الخطة الخمسية، فالمعاهد العليا مثلاً كمعاهد المعلمين والمعاهد الصحية والمعاهد الهندسية زراعية وميكانيك والمعاهد التجارية والفنية والمهنية والحرفية قد جاءت ضمن توجهنا وأعطتها خطتنا الخمسية اعظم الاهتمام ، وهي اذا نحن أمعنا النظر وجدنا انها خدمات استهلاكية عادية وانما هي خدمات لبناء الفرد وإعداده ليكون داخل المجتمع كفاءة تسهم في التطور وصنع الرخاء واختصار الزمن لقهر التخلف وإدراك موكب التحضر الإنساني وقيم الحياة الحضارية.
اما بالنسبة للجانب الثاني وهو التمويل للخطة الخمسية فلا بد ان يستقر في الأذهان اننا اليوم دولة مهما كانت ظروفنا ومعنى هذا اننا لم نضع خطتنا الخمسية لكي نقول لغيرنا تفضلوا فأعطونا بل على العكس وضعنا خطتنا لنقول لأفسنا نحن اليمانيين المسؤولون عن تنفيذ هذه الخطة فهي تخصنا وتهدف الى تحقيق الرخاء والسعادة لنا، وفي نفس الوقت لا باس من ان نقول لمن يرغبون في استثمار رؤوس أموالهم في بلادنا أشقاء ام أصدقاء ام مؤسسات مالية اقتصادية واستثمارية، نقول مرحباً وصدورنا لا تضيق بكم ما دمتم تسعون الى استثمار أموالكم في بلادنا في إطار خطتنا الخمسية وبحسب قانون الاستثمار الخاص بنا.
أيها الاخـوة:
ليست الخطة الخمسية إلا مدخلاً إلى الخروج ببلادنا وشعبنا من اسر الارتجال والتخبط في مجاهل الفوضى على طريق بناء اليمن الجديد ، ولست هنا أزايد ولكن أؤكد ما سبق ان طرحته واطرحه دائماً على القوى الوطنية بأننا مسؤولون عن وطننا وليس هناك من يستطيع الهروب من المسؤولية ومن ضمن هذه القوى قطاع التجار الذين لابد وان يعرفوا انهم مواطنون قبل ان يكونوا أصحاب رؤوس أموال والمواطنة كما يعرفها الناس جميعاً هي صفة يكتسبها كل من يعيش على ظهر الوطن ويسهم في بنائه.
وعليه فان تجارنا مطالبون بالإسهام في نجاح وتمويل بعض المشاريع في الخطة الخمسية ، وعليهم ان يدركوا انهم قد عاشوا شهر العسل خمسة عشر عاماً يأخذون ولا يعطون وكأنهم جالية في هذا الوطن يهمهم الربح بأي طريق وليس عليهم للوطن اي حق ، ومع ذلك يظلون يمنون على الدولة بأنهم أصحاب راس مال وطني واي راس مال وطني يذبح المواطن من نصفه ولا يقوم بأي عمل وطني يخدم مشاريع التنمية ويسير وفق خطة الدولة لخدمة المجتمع…
وبعد هذا أيها الاخوة المواطنون الأحرار:
هناك بعض القضايا التي يجب ان تطرح بصدق وأمانة نحن منذ قيام حركة الثالث عشر من يونيو التصحيحية والى اليوم لازلنا نواجه مخلفات عهد ما قبل الثورة وعهود ما بعد الثورة ، وبكل تحمل وصبر لم ندع فرصة الا وأتحناها لكل من يجدون في أنفسهم القدرة على الإسهام والمشاركة في تصفية الحساب مع تلكما التركتين وبالأخص العناصر الوطنية الى درجة ان البعض يلوموننا على هذا التسامح لكن تحملنا وصبرنا وما أتحناه من فرص لم يحرك اي شعور بالمسؤولية الوطنية ، وكان مراعاتنا واهتمامنا بالقوى والعناصر الوطنية رشوة وليس دعوة الى إثبات المواطنة الصالحة من خلال الإسهام والمشاركة فيما يخدم الوطن والخروج به من التخلف المزري الى حالة الانفتاح والتفاعل مع ما في الشعوب والدول حولنا من تجارب وتطور…
أنني بالنسبة للقوى الوطنية ومسئوليتها في العمل من اجل بناء الدولة المركزية اليمنية الحديثة ذات النظام والقانون اكتفى بما طرحته في البيانين اللذين أذعتهما في الذكرى الثالثة عشرة والذكرى الرابعة عشر لثورتنا الظافرة وما زلت عند ذلك الطرح محملا مسؤولية القصور والتقصير على تلك العناصر والقوى مؤمناً بان الوطنية ليست حكراً على نمط معين من الناس وانما هي صفة يكتسبها المواطن المرتفع الى مستوى قداستها.
أيها الاخوة:
اننا على الصعيد المالي والإداري والرقابة الرسمية والشعبية أقمنا اللجنة العليا للتصحيح التي أثبتت بلجانها الأساسية والفرعية في كل الأجهزة المدنية في المحافظات والقضوات والنواحي وفي قطاع القوات المسلحة والأمن أثبتت انها عند مسؤولياتها وانها تعبير عن التوجه الصادق لحركة الثالث عشر من يونيو نحو بناء الدولة المركزية اليمنية ذات النظام والقانون كما أقمنا الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والنيابة الإدارية، وكلا الجهازين يقومان بمهمتهما ويعملان لأداء الغرض المراد من وجودهما…وفي ظل الثورة والنظام الجمهوري وفي إطار المبادئ الستة الخالدة توجهنا نحو إعادة بناء القوات المسلحة والأمن ووضعهما اداة في يد الشعب ممثلاً في السلطة الوطنية بعد ان كانت صورة للتمزيق وميداناً لسباق النفعية من مراكز القوى لكسب ولاء البعض منها وجعلها حراسة لمصالح ذاتية، ولم نبال من انزعاج وغضب أولئك الاخوة الذين تضرروا من الإجراءات التي اتخذتها القيادة لإعادة الجيش والأمن ملكاً للشعب وحماية لمكاسبه ونظامه ومبادئ ثورته.
أيها الاخوة المواطنون الأحرار:
ان حركة الثالث عشر من يونيو التصحيحية قد وضعت القوات المسلحة والأمن في وضعها الطبيعي فهما اليوم ملك الشعب وأداة طيعة في يده لحماية أهداف ثورته وخدمة كل غرض له نحو التطور والازدهار، ونحن اليوم عندما ننظمها كما وكيفا لا نعمل ذلك إلا لتظلان في مسار حركة الثالث عشر من يونيو في إطار ثورتنا الظافرة حارستين للشعب ومكاسبه وسيادته واستقلاله وأداة في يد الشعب لصد الشرور وقمع كل من يخرج على الحق والعدل باغياً معتدياً وضرب من لا يرعوي عن الغي يسيء على أخواته المواطنين ويتحدى في بلادنا سلطان الله وهي الدولة...
وان بناء القوات المسلحة والأمن كما وكيفاً لا يقتصر الغرض فيه على هذه المهام الداخلية بل يتجاوزها الى ما هو ابعد...ولهذا فنحن سنظل نبني قواتنا المسلحة والأمن ونكتفي بهما لمواجهة اي خطر يهدد أمننا وسيادتنا واستقلالنا...
أيها الاخـوة:
وان من أهم ما حققته حركة الثالث عشر من يونيو التصحيحية هو الخروج بهيئات التعاون الأهلي للتطوير من دوائرها المتعددة الضيقة الى دائرة واحدة واسعة ، وذلك بانضواء تلك الهيئات التعاونية تحت لواء واحد هو لواء الاتحاد العام وربط مشاريعها القائمة على المبادرات الشعبية في مختلف المجالات بخطة الدولة بدون تفريق بين الريف والمدينة في الخدمات الصحية والتعليمية، وشق الطرقات وتوفير مياه الشرب على ان نصيب الدولة هو الأكبر وسيظل دائماً هو الأكبر فشعارنا اليوم هو الدولة في خدمة المواطن وليس المواطن في خدمة الدولة .
أيها الاخـوة:
ان حركة الثالث عشر من يونيو التصحيحية في إطار المبادئ الستة الخالدة لثورتنا الظافرة قد فتحت المجال واسعاً أمام القادرين على الإسهام في بناء مجتمعنا الجديد وتغيير العلاقات بين أفراد هذا المجتمع دون تفريق بين الرجل والمرأة، فالرجال والنساء مواطنون عليهم جمعياً تقع مسؤولية بناء الوطن والسعي المشترك لتطويره وتقدمه وازدهاره ان النساء شقائق الرجال لهن مالهم وعليهن ما عليهم هكذا يقول لنا ديننا الإسلامي الحنيف، ولقد أثبتت المرأة المتعلمة التي تحتل اليوم في بلادنا وظائف عديدة انها طاقة خلاقة ومبدعة ...إن التجارب من حولنا قد أثبتت انه لا تقدم ولا تطور ولا نهضة لشعب أو مجتمع ما لم تكن المرأة فيه شريكة للرجل فكراً وعملاً ، ونحن في حدود أوامر ونواهي ديننا الحنيف نؤمن بأنه لابد من استغلال كل طاقات المواطنين نساءً ورجالاً لخدمة الوطن.
أيها الاخـوة الأحرار:
لا احب اليوم أن أعيد عليكم ما سبق وان تحدثت به إليكم ...
انه لا بد من أن نبني الدولة اليمنية المركزية الحديثة ذات النظام والقانون وان نرتفع بمجتمعنا من ... سيطرة أفراد على جماهير عريضة طويلة إلى مستوى يمكنه من ممارسة العمل لتحقيق مطامحه، وتطلعه في الحياة الحرة الكريمة بحيث لا يستطيع أحد يتحكم فيه أو يستفيد من حماسة خدمة لأغراضه ومنافعه الشخصية… ان هذا العهد لا يمكن ان يكون عهد تفتيت وتمزيق للوحدة الوطنية بمعنى أدق لا يمكن ان يكون عهد زرع بذور تفريق الجميع ليبقى الحكام.
...ومن هذا الموقع نقول صراحة ان الذين يريدون ان يفرضوا علينا مواقف ، او يجرونا الى مواقف تصرفنا عن مهمتنا الأساسية التي هي بناء الدولة اليمنية المركزية الحديثة ذات النظام والقانون ، وصولاً الى بناء وطننا وتنميته بشراً واقتصاداً إنما يعملون لمصلحة الشيطان الرجيم ولا يعملون لمصلحة هذا الوطن
...اننا تحت اي ظروف ما دمنا نحمل شرف المسؤولية الوطنية سوف لن نسمح لأحد لان يجرنا الى خارج موقعنا اليمني او يعكر الصفو بين إخواننا الأشقاء وبين الأصدقاء.
ان سياستنا الداخلية أيها الاخوة واضحة وضوحاً تاما، ً وليس هناك اي غموض فنحن نهدف الى تحقيق الديمقراطية والعدل الاجتماعي، ولكن بمفهومنا الوطني وحسب احتياجنا والضرورة التي تفرض علينا هذا التوجه… اننا نؤمن اقصى الايمان بانه لابد من ان يكون لمجتمعنا نهجاً ديمقراطياً وتوجهاً اقتصادياً يخدم غالبيته ان لم نقل كل ابنائه غير انه لابد من ان يكون للديمقراطية مفهوماً خاصاً لنا ان الديمقراطية في مفهومنا ايها الاخوة هي حكم الشعب ممثلاً في مثقفيه وقطاعاته التي تخدمه وتعمل بنزاهة من اجله وتضحي في سبيل الارتفاع بمستوى افراده اقتصادياً وتعليمياً واجتماعياً وسياسياً ايضا...
ان الديمقراطية ايها الاخوة التي نحرص على تطبيقها في بلادنا وداخل مجتمعنا هي ان لا يجد الفرد مجالاً في ظلها لاحتكار السلطة ، ولا يجد الأفراد او الجماعة مجالاً لاستعمالها في اغراضهم وجعلها مطية يقفزون من على ظهرها على حقوق غيرهم من المواطنين ، وينصبون من أنفسهم أوصياء ويتهددون بها غيرهم اذا لم يسيروا في طريقهم.
لست ايها الاخوة اليوم منتهزاً للمناسبة لاتحدث مزايدة عن الديمقراطية يعلم الله ان الديمقراطية والعدل يجريان في دمي ، ولكنني أتحدث عنهما وأقول لكم ان من قد يتظاهرون بالتمسك بهما لو اتيحت لهم فرصة الوصول الى السلطة لذبحوهما من الوريد الى الوريد والشعب قد جربهم عدالة وديمقراطية قبل وبعد الثورة ... فبدلاً من ان تقوم او تجرى انتخابات صورية لا يستطيع المواطن عن طريقها ان يعطي صوته وهو واثق من انه اعطاه لمن يمثله فعلا ويعبر عنه صدقاً بدلاً من هذا دعونا الى مؤتمر شعبي عام يلتقي فيه الشعب بالقيادة الحكومية ويقررون الاسلوب او الطريق الذي يعبرون عليه للوصول الى الديمقراطية الحقة حتى يتاتى الاعداد السليم للانتخابات الحرة المباشرة الصحيحة.
ايها الاخوة الاحرار:
هناك موضوع كلنا نوليه اهمية قصوى ذلك هو موضوع اعادة الوحدة اليمنية كمطلب شعبي لابناء الشطرين، وكهدف أساسي من أهداف ثورة السادس والعشرين من سبتمبر وثورة الرابع عشر من اكتوبر فماذا عملناه من جانبنا وماذا عمله اخوتنا هناك من جانبهم خلال هذا العام فقط…
من جانبنا أيها الاخوة سعينا الى ابعد مما كنا نتصور، التقيت بالأخ الرئيس سالم ربيّع علي رئيس مجلس الرئاسة في فبراير(شباط) في مدينة قعطبة، ووجدنا انه من الأفضل ان نتبع الطرق الواضحة والسهلة وصولاً الى ما نريده لوطننا من عودة الى اصله والى حقيقته التاريخية وذلك بتوحيد بعض المنهج الدراسي بالنسبة لقطاع الطلبة والطالبات والتبادل التجاري والتعاون الاقتصادي، وقد خطونا في ما يتعلق بالمنهج الدراسي خطوة لها أهمية كبرى، فقد تشكلت لجنة مشتركة فالفت كتاب التاريخ اليمني للمدارس اليمنية في الشطرين وهاهو تحت الطبع وسيدرس من هذا العام الدراسي ، ولقد وصل الأخ الرئيس سالم ربيّع علي الى صنعاء أخيرا حيث التقينا والتقى بالاخوة جميعاً وأكدنا على ان يظل هذا هو مسلكنا حتى نخلق الجو الملائم للدخول في القضية ونحقق النجاح الكامل للوحدة اليمنية إنشاء الله…
أما الأخوان من جانبهم فانهم لم يألوا جهداً ويبدون من الحماس وحسن النوايا ما يستحقون عليه الشكر والتقدير واكتساب الثقة…
أيها الاخوة:
والآن نخرج بالحديث عن قضايانا وأوضاعنا الداخلية الى موضوع سياستنا الخارجية وعلاقاتنا بمن حولنا وموقفنا على الصعيد القومي ومن القضايا الدولية والإنسانية العادلة انه مما لا جدال فيه ان السياسة الخارجية لأي دولة تأتى انعكاساً لسياستها الداخلية وتوجه القيادة السياسية العليا فيها، وسياستنا الخارجية منذ حركة الثالث عشر من يونيو لم تخرج عن هذه القاعدة ان علاقاتنا بأشقائنا جميعها هي علاقات الاخوة والمحبة والتعاون المثمر لما فيه خير امتنا العربية والإسلامية ولما يخدم المصالح الوطنية العليا المشتركة ، وقد زاد هذه العلاقات الأخوية رسوخاً ومتانة نهجنا السياسي المتزن داخلياً ، وتعاملنا المرن مع إخواننا الأشقاء النابع من إيماننا بأننا جزء من الأمة العربية والإسلامية ما يؤلمها يؤلمنا وما يسيء اليها يسئ إلينا وما ينفع او يخدم قضاياها يخدمنا ومواقفنا ثابتة بالنسبة لقضية الشعب العربي الفلسطيني وحقه المشروع في إقامة دولة فلسطينية على ارض فلسطينية وبالنسبة للقضايا القومية المصيرية الأخرى نحن مع كل قضية عربية عادلة ولا نتردد إطلاقا كلما طلبت منا البذل والتضحية، ولاشك في اننا في هذا العام بالذات قد قمنا بدورنا في المجال القومي خير قيام وأخذنا المبادرات وكسبنا ثقة الأشقاء بنا ، اما علاقتنا بالأصدقاء فإنها قائمة على أساس الاحترام المتبادل أولا والتعامل النزيه ولخدمة المصالح المشتركة ثانياً ولا نفرق بين صديق وصديق فنحن نمد أيدينا نظيفة بيضاء للتعامل مع الأصدقاء جميعاً منطلقين من مبدأ حددته ثورتنا الظافرة ذلك هو التعاون مع كل الدول بحياد وعدم انحياز ، ولخيرنا ومصلحتنا وخيرهم ومصالحهم ... ونؤيد كل دعوة الى الخير والسلام والأمن والاستقرار في العالم كله مؤمنين بان التعايش بسلام بين البشر هو الأصل وان الصراع الاستعماري على المصالح هو مبعث الشرور والدمار.
ايها الاخوة المواطنون:
في الختام ارفعوا معي ايديكم دعاء وترحماً على شهدائنا الميامين الابرار ..
كما ارجو ان نرفع ايدينا دعاء وترحماً على اولئك الشهداء الابطال من ابناء مصر الذين كتبوا بدمائهم آيات البطولة على هذه الارض مدافعين عن ثورتنا ونظامنا الجمهورية الخالد فلهم من الله المغفرة والرحمة وحسن الثواب ولمصر الفخر بهم ولهم علينا ابدأً ودائماً ان نظل اوفياء امناء على ثورتنا التي ساندوها ونظامنا الجمهوري الذي اعانونا على ترسيخه وانتصاره…
ايها الاخوة… وفقكم الله ورعاكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
( أجزاء من آخر خطاب له عشية عيد ثورة سبتمبر/ أيلول 25/9/1977 )