عندما تكون (الوساطة) طوق النجاة الذي ينتشلك من البطالة, ودليلك في الارتقاء نحو أفضل المناصب, ومطيتك لنيل أرفع الدرجات الوظيفية, وسبيلك في التفوق على من هم أكفأ منك, وأقدم منك, وأذكى منك, وعندما تتسيد المحسوبية والمنسوبية, وتتحكم بمصير الموارد البشرية, وتتمادى في وأد الكفاءات, فاعلم انك في بلاد العرب.
عندما تفني شبابك في الدراسة, وتقضي ست سنوات من عمرك في المرحلة الابتدائية, ومثلها في الثانوية, وأربع سنوات في الجامعة, لتجد نفسك بعدها متسكعا على الأرصفة, فمن المؤكد انك من بلاد العرب الممتدة من المحيط (الهادر) إلى الخليج (الثائر). (هادر على ماذا ؟ وثائر على من ؟, لا اعرف).
عندما تقضي النهار بطوله واقفا في الطابور في إحدى محطات التعبئة, في البلد الذي يعد من أغنى البلدان النفطية, لتتزود بما تحتاجه عائلتك ليوم واحد من النفط الأبيض اللازم لتشغيل الفوانيس الليلية, ومواقد التدفئة البدائية, فمن المؤكد انك من شرق بلاد العرب, وعلى وجه التحديد من البصرة.
عندما يتردى مستوى المؤسسات التعليمية, وتتخلف الجامعات ومعاهد التعليم العالي عن الركب الحضاري, وتصبح في ذيل جداول التصنيف العالمي, بحيث يأتي ترتيبها بعد الجامعات الإسرائيلية والسريلانكية والإثيوبية والتنزانية والفيتنامية والألبانية, فاعلم أن هذا هو ما آلت إليه أحوال التعليم الفاشل في بلاد العرب.
عندما تستدعي الفضائيات راقصة مخمورة, وتأتي بها في ساعة متأخرة من الملاهي الليلية, وتستضيفها في برنامج الأسرة لتحدث الناس عن الشرف والعفة والطهارة والاستقامة والخلق الرفيع, فاعلم انك تشاهد إحدى فضائيات بلاد العرب.
عندما تصل الفوارق الاجتماعية إلى أقصى درجات التناقض, وتتأرجح مستوى العيش بين الثراء الفاحش والفقر المدقع, بحيث ترى الناس يسكنون المقابر, وينامون في لحود الأموات, ويبحثون عن لقمة العيش في المزابل, وبين أكداس القمامة, في البلدان النفطية التي انعم الله عليها بأوسع الثروات والعطايا, فلا تخجل من التصريح بحقيقة انتماء هؤلاء إلى بلاد العرب.
عندما تكتشف أن اللغة الاوردية هي اللغة المحلية الشائعة في الأسواق الشعبية العربية, وهي وسيلة التفاهم المتداولة في الباصات وسيارات الأجرة, فأعلم انك تتجول في بلاد الخليجي العربي.
عندما تتصاعد نداءات الخطباء في الدعوات الكلامية لنبذ النعرات الطائفية, وترتفع صيحاتهم في حث الناس على التوحيد والتلاحم, والوقوف بوجه المؤامرات والدسائس الخارجية, التي تستهدف تمزيق الأمة وتفتيت تماسكها, في الوقت الذي تكون فيه أفعالهم في السر والعلن متقاطعة مع أقولهم, ولا تعبر حناجرهم وألسنتهم عن حقيقة ما يجول في ضمائرهم, وتتناقض مواقفهم مع ما يعتمل في صدروهم من أحقاد دفينة وضغائن موروثة , فلا تتعجب ولا تندهش, لأنك في بلاد العرب.
عندما تتفاقم موجة الاستحمار الديني, وتتحول بعض دور العبادة إلى معامل لإنتاج الدمار وصناعة الموت, أو تتحول إلى قواعد مرعبة لتصدير الإرهاب, وزرع الفتن, وبث الفرقة, وتدعو إلى التمزق والتشرذم, وعندما يفتي المغالون والمتطرفون بقتل الناس على الهوية, فلا تحزن ولا تبتئس لأنك في بلاد العرب.
عندما تكون سلطة القبيلة أقوى من سلطة رجال الدين, وأكبر من سلطة القانون, وأوسع من سلطة الدولة في حسم النزاعات القبلية العقيمة, وحل الخلافات الاجتماعية, فلا تتعجب ولا تدوخ لأنك في بلاد العرب.
عندما تفرط الفضائيات والصحف والمجلات في التحدث إلى حد القرف عن خبايا وأسرار الممثلين والممثلات, والمطربين والراقصات, والداعرين والداعرات عبر وسائلها المرئية والمسموعة والمقروءة في كل المناسبات, ولا تتحدث أبدا عن أصحاب الكفاءات العلمية, ولا عن أصحاب الانجازات الوطنية الرائدة في الطب والتجارة والصناعة والاقتصاد, فلا تغضب ولا تنزعج لأنك في بلاد العرب.
عندما تسمع عبارات التعظيم والثناء والتبجيل تتردد في صحافة البلاد المؤيدة والمعارضة للسلطة, من مثل: (فخامة الرئيس المؤمن المجاهد المفكر العبقري حفظه الله ورعاه, دولة رئيس الوزراء المكرم الملهم المبدع, معالي الوزير, سعادة الأمير, صاحب السمو والرفعة, جلالة الملك الأعظم المعظم وفقه الله وسدد خطاه, ولي أمر المؤمنين والمؤمنات أدام ظله الوافر وأيده وأبقاه, خادم المؤمنين السلطان المنصور المنتصر المستنصر بالله), فكن على يقين انك لا تسمع هذه العبارات إلا في بلاد العرب.
عندما تصل النزاعات الكروية إلى درجة القطيعة بين الحكومات, وتتسبب في توتر العلاقات, وسحب السفراء, وإطلاق التصريحات العدوانية المتشنجة, فلا تستغرب ولا تندهش لأنك في بلاد العرب.
عندما تتجلبب الحكومة بجلباب الدين, وتتظاهر بالعفة والنزاهة والطهارة, إلى الدرجة التي تجعلك تحس انك اخترقت حواجز الزمن, وعادت بك القرون إلى عصر الخلافة الراشدية, في الوقت الذي تتصدر فيه تلك الحكومات قوائم البلدان الأكثر فسادا في كوكب الأرض, فكن على يقين انك في بلاد العرب, وعندما تسمع البرامج المستقبلية, التي تتحدث عن الورع والتقوى والشفافية في البلدان التي احتلت المراكز الدولية الأولى في الفساد الإداري, فاعلم انك تتجول في بلاد العرب.
عندما ترى الإسلام يتألق بأبهى صوره في العواصم الأوربية, حيث يسود العدل والإنصاف, وترفرف المحبة بأجنحة الود والوئام, ويسبح الناس في النعيم والخيرات, وحيث تزول الفوارق بين الحاكم والمحكوم, وترى الشرطة في خدمة الشعب, ويتلمس المواطنون طعم الحرية, ويتمتعون بنعمة الأمان والاستقرار, وحيث تتوفر مقومات العيش الكريم للأسر الفقيرة, ويشعر الإنسان بآدميته في البلدان الأوربية, التي سارت بخطوط متوازية مع نهج القرآن والسنة النبوية المطهرة, بينما لا ترى الحد الأدنى من تطبيقات الإسلام في بلدك, فاعلم انك تنتمي إلى الأمة التي ضحكت من جهلها الأمم.
عندما تتراكم ديون الدولة, وترتفع نفقاتها إلى الدرجة, التي تحطم فيها حواجز الأرقام الفلكية وتتخطى المعدلات الكونية, لكنها تبقى في منأى عن الرقابة والتدقيق والمحاسبة والمراجعة, وعندما تخرج مؤشرات البذخ والإسراف والتبذير عن حدود التوقعات المنطقية, وتتجاوز درجات البطر والطغيان عند الفراعنة والأكاسرة والأباطرة, فلا تستغرب أبدا لأنك في بلاد العرب.
عندما تتكرر أمامك مشاهد السنوات الخَدّاعات, التي يُؤتَمن فيها الخائن, ويُخوَّن الأمين, ويُكذَّب الصادق, ويُصدًّق الكاذب, فاعلم انك تعيش في بلاد العرب, وكن على يقين انك تقترب شيئا فشيئا من الزمن الذي ستظهر فيه (الرويبضة),
وصدق سيد الكائنات صلى الله عليه وسلم عندما قال: (( ستأتي على أمتي سنوات خداعات يكذب فيها الصادق, ويصدق الكاذب, ويؤتمن الخائن, ويخون الأمين, وينطق فيها الرويبضة, قيل: وما الرويبضة؟. قال: الرجل التافه السفيه يتكلم في أمر العامة)).
ياسر العواضي
24/1/2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق