تـاريــــخ شـبـه جزيــرة الـعـرب
بلاد أكثرها صحاري ودارات واقسامه.. اليمن مهد الحضارة العربية والحجاز ومدنه مكة ويثرب وتهامة ونجد واليمامة.
البلاد العربية :
تمتد من بين البحر الاحمر، والمحيط الهندي، وخليج فارس، وخط وهمي يتجه شرقا من رأس خليج العقبة حتى الفرات.
أصل العرب :
العرب من الشعوب السامية.. وقد طمست معالم تاريخهم القديم ولم يبق لنا منها إلا نقوش في بلاد اليمن يرتقى أقدمها الى القرن التاسع قبل الميلاد.
أقسام العرب :
يقسم العرب الى بائده مثل ( عاد وثمود ) والى باقيه وهم العرب العاربه
( القحطانيون اليمنيون).
والعرب المستعربة وهم ( العدنانيون) سكان الشمال واما العرب البائده فهم الذين درست اثارهم مثل... ( عاد وثمود وطسم وجديس..) وقد عثر لهم العلماء بالقرب من تيماء في شمالي الحجاز على نقوش بالخط.. ( اللحياني والثمودي والصفوي ) وهي تطلعنا على ان لغة تلك الشعوب تختلف عن لغة العرب.. استنادا الى ماوصل إلينا من أدابهم.
وأما العرب الباقية فهم قسمان كبيران..
( القحطانيون والعدنانيون ) أما القحطانيون ويسمون العرب العاربة لأنهم
( أصل العرب) ويعود نسبهم الى يعرب بن قحطان وهم اليمنيون المعروفون بعرب الجنوب.
العدنانيون : ويسمون العرب المستعربة لأنهم وفدوا إلى الجزيرة العربية من البلاد المجاورة.... واختلطوا بأهلها فتعربوا وهم النزاريون والمعديون ويعرف منهم ( الحجازيون والنجديون والأنباط وأهل تدمر).
القبائل العربية :
عرب الجنوب ( القحطانيون )
(1) حمير : قضاعة، تنوخ، كلب، جهينة، عذره
(2) كهلان : طى همدان، عامله، جذام ومنها لخم وكنده..
الازد ومنها ( الغساسنة وخزاعة ) والأوس والخزرج.
عرب الشمال ( العدنانيون )
(1) مضر : قيس عيلان ومنها ( هوزان، وسليم، وغطفان ومن غطفان : عبس وذبيان، وتميم، وهديل، كنانه ومنها (قريش) (2) ربيعة : أسد + وائل ومنها ( بكر، وتغلب ) ومن بكر بنو حنيفة. ويعود نسب قحطان إلى عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام وهو أبو بطون حمير وكهلان والتبابعة ملوك اليمن.. واللخميين ( ملوك الحيرة ) والغساسنة ملوك الشام ويعده أهل الانساب أول رجال الجيل الثاني من أجيال العرب العربة والمتعربة والمستعربة.
تاريخ العرب قبل الاسلام :
لم يكن للعرب قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم من تاريخ الاماتوارثوه بالرواية مما كان شائعا بينهم من أخبار الجاهلية الاولى كحديثهم عن أبائهم وأجدادهم وأنسابهم.. ومافي حيات الأباء والأجداد من قصص فيها. البطولة وفيها الكرم وفيها الوفاء ثـم حديثهم عن البيت ( الكعبة ) وزمزم وجرهم وماكان من أمرها وماجرى ( لسد مأرب ) وماتبعه من تفرق العرب في البلاد.
انفجار سد مأرب :
انفجر سد مأرب نحو عام 115 ق م وأندفع السيل الذي اغرق البلاد وأتلف الزرع.. فنزح عدد من القبائل الى الشمال فقصد بنو ثعلبة بن عمرو يثرب وكان من بينهم ( الأوس والخزرج ) ونزلت خزاعة في مكة واجلت جرهما عنها.. ونزل جفنه بن عمرو وبنوه الشام وسمو (غساسنة ) نسبة الى ماء كان هناك يدعى غسانا وتوجهت قبيلة لخم بن عدى نحو ( الحيرة ) بالعراق وحلت طي فــــي الجبلين (أجأ وسلمى ) إلى الشمال الشرقي من يثرب وهكذا تفرقت القبائل.. (حتى ضرب بها المثل فقيل تفرقوا أيدي سبأ ) وأدى ذلك الى اختلاط شديد بين عرب الشمال والجنوب.. بالمصاهرة والتجارة والحروب ولكن ذلك الاختلاط لم يزل مابين الفريقين من تنافر ظل حتى ظهور الاسلام وقد كانت مأرب مدينة تقع بقرب موقع ( صنعاء اليمن الأن ) وقد بناها عبد شمس بن يشجب من ملوك حمير وهو الذي بنى أيضاً السد الكبير لتخزين مياه الامطار. وانفجر يوما هذا السد فكان الغرق الشهير بسيل العرم وفيه انزل الله تبارك وتعالى : على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم الآيه {لقد كان لسبأ في مسكنهم أية * جنتان عن يمين وشمال * كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور فاعرضوا * فأرسلنا عليهم سيل العرم} التي تفرقت على أثره قبائل بني قحطان فكان منهم أهل الحيرة على الفرات.. وأهل غسان في بادية الشام.. ولاتزال أثار السد باقية حتى الان.
شبه جزيرة العرب :
شبه جزيرة العرب بلاد أكثرها صحاري ودارات، وهي أعلى ما تكون غربا ثم تنحدر الى الشرق إلا عند عُمان. وتقع في المنطقة الحارة، فلا يحسن مناخها إلا على الهضاب المرتفعة ولا يعكر صفاء جوها إلا بعض غيوم تأتي بأمطار موسمية لاتسقط إلا في أمكنة قليلة كاليمن. وكثيراً ماتنتابها مواسم جفاف في أماكن شتى.وليس في شبه الجزيرة نهر واحد دائم الجريان، ولكن هنالك شبكة من الاودية تجري فيها السيول حين تفيض مياه الامطار، وقد يحتال الناس على بعض تلك الاودية بسدودٍ تحبس المياه وتخزنها لاوقات الحاجة.
أما الرياح فمنها الشرقية اللطيفة في شمالي البلاد وتدعى الصبا، ومنها الغربية التي تحمل الامطار من البحر الابيض، ومنها الجنوبية وهي مطيرة شتاء وحارة صيفاً، ومنها السموم، وهي شر ريح، تأتي موسمية ويعرفها العرب برائحتها الكبريتية،تهب وسط الصحراء وتسلب رطوبة الهواء،وتتلف كل ماتمر به.
أقــسامه :
يقسم شبه جزيرة العرب الى عدة أقسام : منها اليمن، بلاد اليمن ومهد الحضارة العربية القديمة ويضاف اليها حضرموت بلد التجار، وعُمان بلد الملاحة ومن أشهر مدن اليمن نجران، وصنعاء موطن الانسجة المطرزة والبرود والسيوف، وظفار بلد الطيب والبخور، ومأرب المشهورة بسدها. وشمالي اليمن الى الغرب الحجاز، ومن مدنه مكة، أم القرى، وفيها بئر زمزم والحجر الأسود، ومن أماكنها المشهورة الصفا والمروة وهما بلحف جبل أبي قبيس، ووادي منى وجبل عرفة، ومن مدنه أيضاً يثرب ( المدينة ). وبين اليمن جنوباً والحجاز شمالاً تهامة على البحر الاحمر. وبين الحجاز غرباً والشام شمالاً والعراق شرقاً بلاد نجد المشهورة بخيولها وطيب هوائها. والى جنوبيها اليمامة، والى شرقيها الجنوبي البحرين بلد التمر ومغاصات اللؤلؤ.
وأكبر جزء من الجزيرة صحراؤها في الوسط ( النفود فالدهناء فالربع الخالي ) وهي قفار ذات رمال بيضاء أو محمرة تسقيها الرياح فتجعل منها كثباناً. تغيثها السماء احياناً بالمطر ( الغيث ) فيرتادها البدو بـماشيتهم ولا يرحلون عنها إلا وقد نضبت موارد واحاتها ومراعيها.
حيوانــه ونباتـه :
الجمل النخـل والصحراء أشخاص التمثيل على مسرح الحياة في البادية. أمــا الجمل فهو (( سفينة الصحراء )) وهو (( هبة الله) ومنه البعير حامل الاثقال، ومنه الذلول أو الهجان(1) حامل الناس. والجمل رفيق البدوي لاتصلح الصحراء بدونه، يغذي البدوي بلحمه ولبنه، ويعينه على الرحيل من مكان إلى مكان، وتحاك الخيمة من وبره. واما النخلة فثمرها أطيب الثمار وأعمها في البادية، وهو، واللبن قوام طعام البدوي، ومنه يستخرج نبيذ لذيذ.
وفي الجزيرة حيوانات أخرى داجنة كالفرس والحمار والبغل والشاة والكلب، وغير داجنة كالضبع والذئب والافاعي وبقر الوحش وماأشبه. وطيور كالنعام والعقاب والقطا والحباري. وهنالك الجراد الذي يصلحه البدوي طعاماً شهياً.
أحوالهم الاجتماعية :
كان العرب قسمين حضراً وبدواً، أما الحضر فهم سكان الجنوب ولهم حضارة واسعة، من أشهر ممالكهم حمير وتبع وكندة فضلاً عن المناذرة والغساسنة. وأما البدو فهم القسم الاكبر وقد انتشروا في شمالي الجزيرة لايخضعون لنظام غير نظام القبيلة. مساكنهم الخيام يضربونها حيث يجدون الكلأ والماء، ويحلونها أن ضاقت بهم الحال.
كان العرب قسمين : حضراً وبدواً : الحضر : أما الحضر فهم سكان القسم الجنوبيّ من الجزيرة، كانوا يعيشون عيشةَ قرار، وتغلب عليهم الحضارة. وكانت حضارتهم مؤسـسـة على التجارة والزراعة. وقد انصرفوا إلى الصناعات، فاشتهرت حبَرهم المفوَّفة، وبرودهم وسيوفهم اليمنيّة، والجلود التي افتنّوا في دبغها، والأَفاوية والعطور التي حملوها إلى جميع البلدان.
وقد أنشأوا المدن والحصون الهياكل، وشيَّدوا القصور الشاهقة كقصر غمدان الشهير، وكانت لهم ممالك في بلادهم الجنوبية وفي غير بلادهم، من أشهرها مملكة حِمْير ومنها التبابعة الذين أنتهت دولتهم بذي نواس سنة 525 م، ومملكة المناذرةَ اللخميين في العراق وقاعدتهم الحيرة، وقد ملكوا من أوائل القرن الثالث الميلادي إلى الفـتح الاسلاميّ، وكانوا عمَّالاً للفُرس، أشتهر منهم النعمان الأوَّل ( 400 ـ 418 ) باني الخورنق والسّـدير، والمنــذر الـثالــث ( 505 - 554 ) وهــــو المعروف بابــن ماء السماء، وعـمرو بن هـند ( 554 - 569 ) الذي جعل الحيرة موئل الشعراء والأدباء، ومملكة الغساسنة ( أولاد جَفنة ) في الشام وقاعدتهم جلَّـق، وكانوا عمَّـالاً للروم، أشتهر منهم الحارث الثاني الملقّب بالأعرج ( 529 - 569 )، المنتصر على الحيرة في " يوم حليمة " والذي اجتمع ببابه عدد كبير من الشعراء 0 ثم مملكة كندة في نجد وقد امتـد سلطانها من نحو سنة 450 إلى نحو سنة 540 م. ومن نسل الكِندّيين الشاعـرُ أمرؤ القيـس.
البدو : وأما البدو فهم القسم الأكبر وقد انتشروا في شماليّ الجزيرة، وكوّنت البيئة الصحراويّة حالهم الاجتماعية، فاحتقروا الصناعة والزراعة، وعاشوا تحت الخيام على رَعي الأنعام يطعمون من لحمها ولبنها ويكتسون بصوفها ووبرها، ويتتبعون مواقع المطر، يرحلون من مكان الىآخر في طلب الكلاء والماء، واذا احتاجوا إلى غير ما تتنتجه ماشيتهم تعاملوا من طريق البدل، فاستبدلوا بالماشية ونتاجها ما يتطلّبون من تمر ولباس، أو لجأوا ألى الغزو والسلب إن عضَّتهم الحاجة أو دعاهم طلب الثأر والتشـفّي.
وهم لا يخضعون لنظام غير نظام القبيلة ولا يعرفون حكومة أو مملكة في غير الأسرة والعشيرة. فكان مجتمعهم مجتمع القبيلة والخيمة لا مجتمع الأمة والشعب. وكان لكل قبيلة رئيس هو شـيخها والـسـيّد فيها، وهو عصبها ورباط وحَدتها والحكمَ في شـئنها. وأفراد القبيلة متضامنون ينصرون أخاهم ظالماً أو مظلوماً.
أمور البدويّ بارتباطه بقبيلة يحميها وتحميه هو المسـمَى بالعصبيّة. وكان سلطان الأب في بيته مطلقاً يتصرّف في أمور أهله على هواه وكان للمرأة أن تشارك زوجها في أمور أهله على هواه وكان للمرأة أن تشارك زوجها في أمور الحياة وكانت موضوع إجلال في البيت كما كانت تتمتّع بحظّ وافر من الحرية والاسـتقلال.
مـعـارفـهم :
كان العرب في البادية قبائل رحالة ليس لهم من وسائل العمران ما يتيح لهم التبحّر في عـلم أو التـبصر في ديـن، ومع ذلك فـقد حصَّـلوا من المـعارف مالا بُـدَّ منه لطرق عيشـتهم وأَسـاليـب حياتهم، وكان ذلك عن طريق التجربة والاختبار. فكان لهم إلمام بالحسـاب والطـب والبـيطـرة كما كان لعرب الجنوب فوق ذلك معرفة بهندسـة البناء وعمـارة المـدن وأسـاليب الزراعة والصناعة. وكان لـهم معرفة بما يعيـنهم في بواديـهم المقفرة ومجاهـلهم المـضّللة، وبما تصلح به أنفسـهم وأنعامهم من اسـتطلاع خفايا الجوّ وألمّوا بعلم النجوم واشتهروا بمعرفة الانسـاب والاخبار ووصف الارض، والفـِراسـة والعِـيافة والقـِيافة، والـكِهانة والعِـرافة، وزجـر الـطـير وغـير ذلك(1).
أخلاقهم :
كانت أخلاق العرب ولا سيما البدو منهم وليدة الصحراء والحالة البدائية. فالبادية التي كانت حصن البدويّ ومعتصمه دون هجمات الطامعين والفاتحين علـّمته أن يكون طليقاً ينزع أَبداً إلى الحـرية والاستقلال ولا يطأطئ رأسه أمام نير أجنبيّ، كما لا تخضع لقانون أو نظام.
وعيشة البدويّ القشفة القاسية علّـمته أن يكون قنوعاً، صبوراً على الشقاء والغناء، كما علّـمته أن يستسـلم للانكماش في أحايين كثيرة فلا يسعى في تحسين حالة وإصلاح بيئته ومعيـشـته.
وعزلة البدوي أنمت فيه الروح الفردية فتعذّر عليه أن يرفع مسـتواه الى مصاف الانسان الاجتماعي المعروف بنزعته الامميّة، وأبعدته تلك الروح عن الاخلاص لما فيه خير المجموع خارجاً عن نطاق القبيلة.
ثم أن الاخطار المحدقة بحياة الصحراء علّـمت البدوي أن يكون شـجاعاً، فهو أبداً غازٍ أو مغزوّ أو معرَّض لأحد الحالتين، وهو أبداً في قتال مع الاعداء من الناس والحيوان وعوامل الطبيعة القاسـية، " عصمته سـيفه، وحـصنه ظهر جـواده، وعدته الصبر ". وأكثر ماتتجلى شجاعته في النزال والدفاع والنجدة.
ومع ما كان للبدوي من حسبان البادية ميداناً للفوضى والعبث، فقد حافظ على فكرة الضيافة والكرم، يبعث عليهما حرصه على جميل الذكر وتحصيل المحمدة والرغبة في أن يعامل بالمثل،في بلاد كثيرة المخاطر والمجاهل.
ويتجلى كرمه خصوصاً في إيقاد النيران ونحر الجزور وإضافة اللاجئ.
وكان في نفس البدوي الى جنب الكرم كثير من الوفاء تبعث عليه المروءة وعزة النفس، وقد تسوق البدوي عقيدته بالوفاء الى بعث الحرب وبذل الاعز محافظة علىقريب أو جار أو مستجير.
زد على ذلك كله ما كان للبدوي من إباء للضيم، وحرص على الحق الى جنب استحلال القوي لغصب الضعيف، تحصل على صورة مصغّرة للبدوي في ميدانه الفسيح ومسرحه الجاف المذيب.
فالبدو يقال لهم ( الأعراب ) بالفتح هم : أهل البادية من العرب والواحد بدوي أو أعرابي بالفتح أيضاً ولفـظة ( العرب ) قديمة يراد بها في اللغات السامية معنى البدو والبادية، وتلك خصيصة العرب في التاريخ القديم، وقال الازهري : رجل أعرابي إذا كان نسبه في العرب ثابتاً، وإن لم يكن فصيحاً، ورجل إعرابي : إذا كان بدويا صاحب نجعة وانتواء وأرتياد الكلأ وتتبع مساقط الغيث وقد صار لفظ الأعرابي بعد الاسلام مما يراد به الجفاء وغلظ الطبع، وكانوا يسمون ذلك في الرجل ( إعرابية ) فيقولون للجافي منهم ألم تترك أعرابيتك بعد ؟ وقال المتنبي :
مــن الجأذز في زي الأعاريب
حمر الحلي والمطايا والجلابـيـب
وذكر ابن عبد ربه في كتابه العقد الفريد في فصل وفود العرب على كسرى عن الخصال التي كانت تفخر بها عرب الجاهلية وقد سردها النعمان بن منذر أمام كسرى حينما مدح هذا كل الامم في عصره وذم العرب.
فقد قال كسرى : "لم أر للعرب شيئا من خصال الخير في أمر دين ولا دنيا، ولا حزم ولا قوة، مما يدل على مهانتها وصغر همتها محلتهم التي يقيمون بها مع الوحوش النافرة والطير الحائرة، يقـتلون أولادهـم من الفاقة، ويأكل بعـضهم بعـضا من الحاجة، قد خرجوا من مطاعم الدنيا وملابسها ومشاربها ولهوها ولذاتها، فأفضل طعام ظفر به ناعـمهم لحوم الابل التي يعافها كثير من السباع، لثقلها وسوء طعمها وخوف دائها وإن قرى أحدهم ضيفاً عدها مكرمة، وإن أطعم أكلة عدها غـنيمة تنطق بذلك أشعارهم وتفتخر بذلك رجالهم ".
فرد عـليه النعمان : "العرب لم يطمع بهم طامع، ولم ينلهم نائل، حصونهم ظهور خيلهم، ومهادهم الأرض، وسقوفهم السماء، وجنتهم السيوف، وعدتهم الصبر وليس أحد من العـرب إلا يسمى أباءه أبا فأبا، حاطوا بذلك أحسابهم، وحفظوا به أنسابهم، فلا يدخل رجل في غـير قومه ولا ينتسب إلى غـير نسبه، ولا يدعي إلى غير أبيه، وأما سخاؤهم فإن أدناهم رجلا الذي تكون عـنده البكرة والناب، عليها بلاغه في حموله وشيعه وريه، فيطرقه الطارق الذي يكتفي بالفلذة، ويجتـزئ بالشربة فيقعـرها له، ويرضى أن يخرج عن دنياه كلها فيما يكسبه حـسـن الأحدوثة وطيب الذكر، ثم خيلهم أفضل الخيل، ونساؤهم أعـف النساء، ولباسهم أفضل اللباس، ومطاياهم التي لا يبلغ على مثلها سفر ولا يقطع بمثلها بلد قـفر، وأما وفاؤهم فإن أحدهم يلحظ اللحظة، ويومئ الايماءة فهي ولث وعـقدة لا يحلها إلا خروج نفسه، وإن أحدهم ليبلغه أن رجلا اسـتجار به وعسـى أن يكون نائياً عن داره فيصاب، فلا يرضى حتى يفني تلك القبيلة التي أصابته أو تفنى قبيلته، لما خفر من جواره، وأنه ليلجأ لهم المجرم المحدث من غير معـرفة ولا قرابة فتكون أنفسهم دون نفسه وأموالهم دون ماله، وأما قولك أيها الملك : يئدون أولادهم فإنما يفعـل من يفعـله منهم بالإ ناث أنفة من العار، وأما قولك : إن أفضل طعامهم لحوم الابل على ما وصفت منها فما تركوا ما دونها إلا إحتقاراً له، فعـمدوا إلــــى أجلها وأفضلها، فكانت مراكبهم وطعامهم مع إنها أكثر البهائم شحوماً، وأطيبها لحوماً، وأرقها ألبانا، وأقلها غائلة، وأحلاها مضغة، وإنه لاشئ من اللحمان به لحمها الا استبان فضلها عليه، وأما تحاربهم وأكل بعـضهم بعـضاً، وتركهم الانقياد لرجل يسوسهم ويجمعهم، فإنما يفعـل ذلك من يفعـله من الأمم إذا أنست من نفسها ضعـفاً، وتخوفـت نهوض عدوها اليها بالزحف، وأما العـرب فإن ذلك كثيراً فيهم حتى لقد حاولوا أن يكونوا ملوكاً أجمعين
اقسام المدونة
الأحد، 11 أبريل 2010
أصول العرب وأقسامهم وقبائلهم
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق