مدونة ياسر ترحب بزواره الكرام

الجزيرة اخر الاخبار

اخر الاخبار

الأحد، 11 أبريل 2010

الممالك اليمنية العربية القديمة..تاريخها وحضارتها

الممالك اليمنيه العربية القديمة .. تاريخها وحضارتها

الممالك العربية القديمة. كان العرب قبل الإسلام على قسمين بدو وحضر. وعاش البدو في نظام الوحدة الصغيرة التي يربط بينها الدم والعصبية وهي القبيلة. واستطاع الحضر أن يكونوا ممالك لها ملوك ونظم سياسية، وتباينت هذه المملكة من حيث القوة والضعف.
خضعت القبيلة العربية لنظام صارم فرضته التقاليد والعرف، وصعب لذلك أن يتم بالبادية ارتباط يجمع بين عدد من القبائل لتكوين ممالك. وكانت القبيلة الواحدة معرضة للانقسام، بطوناً، كلما كبرت. فالاتجاه في البادية كان للانقسام وليس التجمع. انظر: القبيلة.
ورغم ذلك قامت مملكة وحيدة قصيرة العمر في وسط الجزيرة العربية بين
الحكم القبلي هي مملكة كندة (480 - 529م). واستطاع اللخميون ملوك الحيرة
دحر ملوك كندة، وعادة الحياة القبلية إلى المنطقة ثانية. وينسب امرؤ القيس أحد شعراء المعلقات إلى ملوك كندة، وقد حاول امرؤ القيس أن يعيد مجد آبائه، ولكنه أخفق في محاولته.
تركزت مناطق الحضر في الجزيرة العربية قبل الإسلام في ثلاث مناطق مهمة هي:
اليمن حيث قامت ممالك سبأ ومعين وحمير* شمال الجزيرة العربية حيث قامت ممالك الأنباط وتدمر والحيرة وغسان* الحجاز.
مملكة سبأ (950 - 115 ق.م).
يرى كثير من الباحثين في تاريخ اليمن القديم أن مملكة سبأ التي ظهرت جنوب غربي شبه جزيرة العرب، هي أقدم الممالك التي عرفها تاريخ المنطقة. ومن المرجح أن استقرارهم هناك بدأ في القرن الثالث عشر قبل الميلاد.
عرف السبئيون الزراعة، ولكن لايعرف بالضبط متى بدأوا يمارسون ذلك النشاط، ولكن يبدو أن المنطقة كانت أكثر أمطارًا مما هي عليه الآن، فرأى السبئيون استغلال تلك المياه في الزراعة. وساعدتهم الزراعة على أن يحيوا حياة مستقرة، أدت إلى أن يخطوا خطوات كبيرة نحو التقدم والمدنية. وتطور نظام الحكم لدى السبئيين، وبعد أن كانوا
قبيلة عرفت النظام القبلي تدرجت في الأمر، وأصبح حكامها يدعون بالمكرِّبين. ويرى الدارسون أن لفظ مكرِّب ومعناها مقرِّب ويقصد به مقدم القربان إلى الله. ومن
المعروف أن لغة حمير كانت تنطق القاف كافا. وكان هؤلاء المكرِّبون يجمعون بين
السلطة السياسية والدينية.
أما إلههم الذي كانوا يعبدونه، فقد كان يدعى ألمقة. وكانوا يقدمون إليه النذر والبخور، وبنوا له المعابد.
اتخذ السبئيون في أول أمرهم صَرْواح عاصمة لهم، ثم مالبثوا أن نقلوا عاصمتهم إلى
مأرب، وقد أصبحت مركزا تجاريًا مهمًا. واعتمدت
حضارة السبئيين إلى حد كبير على تجارة القوافل البرية، التي كانت تنقل البخور واللبان والعطور من حضرموت شرقًا إلى مأرب غربًا، ومن هناك كانت القوافل تسير شمالاً إلى المناطق العربية القريبة من البحر الأبيض المتوسط، ثم كانت تنقل هذه السلع إلى البلاد التي تحيط بذلك البحر. وكان هؤلاء الناس يقبلون على الحصول على تلك العطور والبخور واللبان، مما جعل بعض المؤرخين اليونانيين يكتبون عن غنى أهل سبأ ورواج تجارتهم. وكانت هناك صلات قوية أقامتها سبأ بين شبه الجزيرة العربية ومراكز الشرق الأوسط الثقافية الأخرى، مثل مصر وبلاد مابين النهرين وفارس.
اشتهرت سبأ بين الأمم القديمة، وقد جاء ذكرها في التوراة، كما جاء في بعض النقوش التي خلفها الملك سرجون ملك آشور (720-705 ق.م) أن مملكة سبأ قدمت له هدية من الذهب واللآلئ والبخور والأعشاب. ويرى بعض الباحثين أنه قد تكون تلك الأشياء من قبيل الهدية، وليست من قبيل الإتاوة أو الضرائب التي فرضها الملك الآشوري على حكام سبأ.
وذكر القرآن الكريم
قصة سبأ في أكثر من موضع، فحكى ما كانوا فيه من النعيم، إذ كانوا في أخصب البلاد وأطيبها وذكر سد مأرب الذي أقامته ملكتهم بلقيس، ولكنهم بطروا وكفروا النعمة وطغوا وكانوا مجوسًا يعبدون الشمس فأرسل الله لهم الرسل فلم يهتدوا، فأرسل عليهم سيل العرم، فهدم السد وشرّدهم جزاءً بما كانوا يعملون. يقول الله تعالى:
﴿ لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من زرق ربكم وأشكروا له بلدة طيبة وربٌّ غفور ¦ فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكُل خمط وأثل وشيءٍ من سدر قليل ¦ ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور ﴾
سبأ: 15 - 17.
وكذلك وردت في القرآن قصتهم وقصة ملكتهم بلقيس مع سليمان عليه السلام في سورة النمل.
وكان العرب يضربون الأمثال في أشعارهم بمملكة سبأ وسدّها يقول أحدهم مادحًا:
من سبأ الحاضرين مأرب إذ يبنون من دون سيله العرما
ويقول آخر:
الواردون وتيم في ذُرى سبأ قد عض أعناقهم جلد الجواميس
ووافقت الآثار التي وُجدت في سبأ، ما ذكره القرآن الكريم من أن السبئيين ضربوا بسهم وافر في التقدم الزراعي وفي هندسة الري، كما كانوا متقدمين في الهندسة المعمارية.
ونجح هؤلاء القوم في بناء سد مأرب في مملكتهم، لحفظ مياه الأمطار التي كانت تجري في أراضيهم دون الإفادة منها، فأصبحوا يستغلونها في الري بفضل السد والقنوات التي ساعدتهم على توزيع تلك المياه. ويعتقد بأن هذا السد أقيم في نحو عام 650ق.م.
وببناء السد أخذ ملوك الدولة ينظمون توزيع الأراضي والري وتطوير الزراعة، وكان من بين ما يزرعونه الحبوب والنخيل والعنب. وكان لهذه الزراعة فضل في توفير الغذاء لأصحاب القوافل وركبانها، وأصبحوا يجدون مايكفيهم من غذاء، وما يحتاجونه من مأوى، خصوصًا وقد كانت الحجارة والأخشاب متوفرة في تلك المملكة. وكانت هذه المملكة قادرة على تزويد القوافل بما تحتاج إليه وهي تقطع رحلات طويلة كانت تصل إلى نحو 1,500كم من جنوبي الجزيرة العربية إلى شمالها الغربي وصولاً إلى البتراء، ومنها إلى البحر المتوسط ومصر.
وقد خلَّفت مملكة سبأ حضارة، لها مكانتها من حيث البنيان، سواء في المعابد ذات الحجارة المصقولة المنحوتة، أو الهندسة المعمارية أو الزراعية. وكانت هذه الآثار، تدل على مدى ما وصلت إليه الحضارة العربية من تطور في جنوب شبه جزيرة العرب.
مملكة معين (500ق.م - 50م).
اختلفت آراء الباحثين في الوقت الذي ظهرت فيه دولة معين. وكان بعض الباحثين، يرى أن ظهورها ربما كان بعد منتصف الألف الثاني قبل الميلاد أي بعد عام 1250ق.م. ولكن الدراسات التي أجراها الباحث ونيت
أظهرت له بأن بداية مملكة معين لم تكن قبل القرن السادس قبل الميلاد، وأنها ربما
استمرت حتى نحو عام 50م. وقد رأى بعض هؤلاء الباحثين، بأنه ليس هناك أي دليل على أي نشاط للمعينيين مع عالم البحر الأبيض المتوسط قبل الفترة الهيلينستية، أي قبل القرن الرابع قبل الميلاد.
وتقع معين شمالي مملكة سبأ في مفترق طرق القوافل القادمة من حضرموت شرقًا وسبأ جنوبًا، وتتجه منها القوافل البرية إلى الشمال. وكانت معين تعتمد على تجارة هذه القوافل، التي كانت تحمل اللبان والبخور والعطور والتوابل.
انتشرت تجارة المعينيين شيئًا فشيئًا، وخرجت من نطاق اليمن، وامتدت إلى أماكن أخرى، حيث وصلت إلى مصر وإلى حوض البحر الأبيض المتوسط. وكانت هذه التجارة تسير بالقوافل البرية، وكانت العاصمة قرناو من أهم مراكز تلك التجارة العالمية.
ومما جاء في المصادر التاريخية، أنه عُثر على نقش بالخط المعيني لتاجر يدعى زيد إيل بن زيد، وهو من أهالي مملكة معين، وكان في مصر أيام الملك بطليموُس الثاني الذي حكم مصر بين عامي 285 و246ق.م. وذُكِر أن هذا التاجر المعيني، أصبح كاهنًا في معبد مصري، ثم أخذ في إحضار بعض البخور واللبان من معين بسفينة كان يمتلكها. وقد ظهرت أهمية المعينيين بصفتهم تُجَّار عطور وبخور في هذه الفترة الهيلينستية.
وكما يبدو فقد كان هناك نوع من التنافس بين سبأ ومعين في النشاط التجاري. ونرى ذلك التنافس في نقش وجد في أحد جدران مدينة براقش المعينية، ويرجع تاريخ ذلك النقش إلى القرن الثالث أو الرابع قبل الميلاد. جاء في ذلك النقش أن عامي صادق وآخر كانا دليلين للقوافل المعينية، وأنهما خرجا في قافلة إلى مصر وسوريا وماوراء النهر في الوقت الذي كانت فيه آلهتهم عثتر وقبض وود ونكره تحميهم من هجمات سبأ وخولان.
وكان هؤلاء يخططون للإيقاع بالقافلة وبممتلكات المعينيين وأنعامهم عندما يصلون إلى الطريق بين معين ورجما (نجران). وفي الوقت الذي كان فيه عثتر وقبض وود ونَكْرَه تحميهم وممتلكاتهم وجدوا أنفسهم في قلب مصر خلال الحرب التي كانت بين المادِّيين والمصريين. وقد ضمن عثتر وقبض السلم والتعويض للجانبين ولممتلكاتهم حتى رجوعهم إلى مدينة قرناو.
وانتهت المنافسة بين سبأ ومعين بانهيار معين في آخر الأمر، وذلك في منتصف القرن الأول الميلادي على أرجح الأقوال.
مملكة سبأ وذي ريدان (مملكة الحميريين) (115ق.م - 525م).
رأى بعض الباحثين في تاريخ اليمن أنه عند حلول أواخر القرن الثاني قبل الميلاد، ظهر بعض التغير في لقب ملوك سبأ، وذلك منذ حوالي 115ق.م على اختلاف في هذا التاريخ. فقد وجد أن بعض الملوك كانوا يلقبون أنفسهم بملك سبأ وذي ريدان، مما يوحي بأن سبأ توسعت في حدودها. وعرف هذا العهد عند بعض المؤرخين باسم مملكة الحِميريين.
ووجد الباحثون أن هذا اللقب كان قد اتخذه بعض الملوك الذين كانوا في مأرب، كما كان بعض ملوك حمير الذين كانت عاصمتهم ظفار قد تلقب به. ولكن يبدو أنه في آخر الأمر، سيطر حكام ظفار على الملك الذي أصبحت تلك المدينة قاعدة له.
وبمرور السنين حدث تغيير آخر في لقب حكام هذه المملكة إذ إنه بحلول القرن الرابع الميلادي (أي بعد نحو عام 301م) جاء دور حكام تلقبوا بلقب ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت. وكان هذا آخر أدوار الحكم في سبأ ، والذي انتهى بظهور الإسلام. وكانت ظفار العاصمة الحميرية ومقر الملوك.
كان الحميريون يسمون حكام أقاليمهم أقيالاً، وكان كل قيل منهم يحكم منطقة بها بعض قبائلهم. وكانوا كسابقيهم يعبدون الأوثان، كما كان كبير آلهتهم يدعى أشتار وهو إله السماء أو الشمس عندهم، وكان معروفًا أيضًا لدى عرب الشمال الذين كانوا يعبدونه.
واتسعت رقعة الحميريين في اليمن، حتى أصبحوا يحكمون سبأ أيضًا وريدان
وحضرموت.
اهتم الحميريون بالملاحة البحرية أيضًا مثل المعينيين والسبئيين. ولكنهم كانوا يعاصرون الرومان الذين ما إن استولوا على مصر عام 31ق.م حتى أخذوا في إرسال سفنهم إلى جنوبي البحر الأحمر وعبور باب المندب وصولاً إلى الهند وشرقي إفريقيا، للحصول على السلع الضرورية، مثل التوابل والبخور والعاج وريش النعام والحرير والحيوانات المتوحشة.
وفي الوقت نفسه بدأ الحميريون الوثنيون يواجهون القوات النصرانية خصوصًا في أوائل القرن الرابع الميلادي، إذ ظهر الروم بسفنهم، والأكسوميون حلفاؤهم. وكانت النصرانية قد دخلت إلى أكسوم في نحو عام 320م حين اعتنق ملك أكسوم عيزانة ذلك الدين، ويبدو مما كتبه على مسلة له، أنه استطاع أن يتغلب على الحميريين، لأنه وصف نفسه بأنه ملك الأكسوميين والحميريين وريدان وسبأ وسليهن وسيامو والبجة والخاسا. بيد أنه لم تَطُل فترة حكم الأ**** على الأراضي اليمنية، لأنه وجدت في مخطوطات حمير سلسلة من أسماء ملوكهم بعد سنة 378 حتى عام 524م، حيث إنه في ذلك التاريخ احتل الأكسوميون جنوبي جزيرة العرب مرة أخرى، وبسطوا نفوذهم عليها، وضاع مُلك الحميريين. ويرجع السبب في هذا الهجوم إلى أن الحميريين كانوا يجدون خطرًا كبيرًا في انتشار النصرانية في اليمن، فقد كان نصارى نجران يجدون دعمًا من القسطنطينية في شكل منصرين، وتعضيدًا ماديًا من جانب السلطات الأكسومية النصرانية، وإزاء هذا الموقف قام الملك الحميري ذونواس بجمع النصارى النجرانيين في أحد الأخاديد، وأشعل فيهم النيران من كل جانب، وأحرقهم حتى قضى على الكثيرين منهم في نحو عام 523م.
وقد جاء ذكر هذه الحادثة في القرآن الكريم في سورة البروج.
كانت جماعة من الحميريين تدين بالوثنية، وتدين جماعة باليهودية، واستشعرت كلتا الجماعتين خطورة على وجود دولتهما، بسبب التحالف النصراني بين أكسوم والروم. ونظرًا لذلك التعذيب الذي لحق بنصارى نجران، خرج الأ**** من بلادهم، وغزوا الحميريين في اليمن واستولوا على البلاد وبقوا فيها.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الأ**** أرادوا بعد ذلك أن يفرضوا سلطانهم الديني
والسياسي على سائر أجزاء الجزيرة العربية، ولذلك عزموا على تحطيم الكعبة التي كان يقدسها كل العرب. وخرج جيش أبرهة ميممًا مكة حتى بلغ أطرافها، ولكن ما إن وصل إلى هناك حتى أرسل إليه الله سبحانه وتعالى طيرًا أبابيل ـ كما حكاه القرآن الكريم في سورة الفيل ـ فقضى على جيشه قضاء مبرمًا، وانتهت الحملة الحبشية بالفشل التام عام 570م.
أما أهل اليمن، فإنهم التفوا حول زعيمهم سيف بن ذي يزن، الذي اتصل بالفرس أعداء الروم في الشمال وحصل منهم على عون عسكري، فقدم بجيش فارسي استطاع أن يهزم به الأكسوميين.
تولى سيف بن ذي يزن الحكم على اليمن، ولكنه كان واقعًا تحت النفوذ الفارسي، وعندما قتل اندلعت الفتن في البلاد، وضعف النفوذ الفارسي فيها، وكان أن بزغت شمس الإسلام آنذاك، ودخل اليمن في الدين الحنيف، وبذلك انتهى كل نفوذ أجنبى على أراضي جنوبي الجزيرة العربية، وكان ذلك في عام 6 هـ الموافق عام 628م.
مملكة الأنباط (300 ق.م - 106م).
الأنباط أو النبطيون
قبائل بدوية كونت مملكة امتدت من غزة شمالاً إلى مدائن صالح جنوباً، واتخذت البتراء عاصمة لها. وقد بدأت مملكة الأنباط في القرن الرابع قبل الميلاد، وبلغت أوج مجدها في القرن الأول الميلادي حيث امتد نفوذها إلى دمشق. واكتسبت هذه المملكة أهميتها من وقوعها في طريق التجارة من الشمال والجنوب. ضعفت البتراء عندما اتجه الرومان إلى السفر بحرًا إلى الهند. وعندما رأى الرومان توسع الأنباط هاجم الامبراطور تراجان البتراء ودمرها عام 105م، وضم مملكة الأنباط إلى مملكته. انظر: البتراء.
مملكة الحيرة (300 - 628 م).
نزحت جماعات كبيرة من قبيلتي تنوخ ولخم من اليمن في هجرة نحو بلاد مابين النهرين، وذلك في القرن الثالث الميلادي ووصلت في هجرتها تلك إلى نهر الفرات، وأقامت لها إمارة في مدينة الحيرة التي أضحت منذ ذلك التاريخ قبلة ملوكها.
كانت الحيرة تقع على أطراف دولة الفرس القديمة، التي انقسمت إلى عدة دويلات يحكمها ملوك الطوائف الذين كانوا من نسل قواد الإسكندر المقدوني، الذي فتح إمبراطورية فارس في القرن الرابع قبل الميلاد. ضعف ملوك الطوائف المقدونيون، وأخذت فارس تتوحد بقيادة زعميها أردشير بن بابك، الذي أسس حكم الأسرة الساسانية عام 226م.
أما أول ملوك الحيرة فقد كان، كما ذكر مؤرخو العرب، جذيمة الأبرش التنوخي، فلما مات، تولى الملك بعده ابن أخته عمرو بن عدي بن نصر اللخمي اليمني. وقد عرفت هذه المملكة في كتب تاريخ العرب وآدابهم بمملكة الحيرة ومملكة اللخميين ومملكة المناذرة وأبناء نصر.
كانت الحيرة تقع في مركز جغرافي مهم بين أراضي العراق وأبناء صحراء العرب، لذلك أفاد من موقعها الفرس، لأنها كانت بمثابة الدرع الواقية أمام غزوات الأعراب المفاجئة، كما كانت نصيرًا ضد الروم في حروبهما المتصلة. وكانت تجد دعمًا واعترافًا من جانب الفرس. ولكن موقعها ذاك جعلها تشترك في كل الحروب التي دارت بين الفرس والرومان بعد ذلك في محاولة للسيطرة على أراضي الهلال الخصيب.اشتركت مملكة الحيرة في الحروب التي دارت على مدى قرن من الزمان بين الفرس والروم، وهي الفترة بين عامي 528 و 628م. ودارت رحى حرب مريرة بينها وبين ملوك الغساسنة، سقط من جرائها زعماء من كلا الجانبين، وسُجلت كثير من أحداثها في الشعر العربي.
كان ملوك الحيرة وأهلها من الوثنيين، إلا أن النصرانية كانت تنتشر في الأراضي الواقعة تحت سلطانهم. وقد قُتل ملكهم النعمان بن المنذر، لأنه رفض الانصياع إلى كسرى واتباع دينه المجوسي. وكان في الحيرة رهبان من كلا المذهبين: مذهب النساطرة، ومذهب اليعاقبة. وقد وصلت أولى دعوات التنصير إلى الحيرة نحو عام 410م. حيث جاء إلى المدينة منصِّر موفد من القسطنطينية. وبقدوم النساطرة واليعاقبة في القرن السادس الميلادي تضاعفت نشاطات حركة التنصير.
وكان المنذر بن امرئ القيس بن ماء السماء أول ملك لخمي يعتنق النصرانية، حسب ماجاء في بعض التواريخ العربية، وذلك عندما رأى وفاء أحد نصارى العرب لعهد قطعه على نفسه للملك. فأعجب الملك الحيري بهذا الدين الذي يدعو إلى الوفاء فأعلن تنصره. وكان حكم الملك المنذر بين عامي 514 و 563م.
تولى عمرو بن هند ملك الحيرة في الفترة مابين 563 - 578م، ودخل في أخريات أيامه في نزاع شخصي مع الشاعر العربي عمرو بن كلثوم الذي جرد سيفه، وقتل عمْرًا كما ذكرت المصادر العربية، وخلد تلك الحادثة في معلقته الشهيرة.
اشترك المناذرة في الحرب التي دارت بين الفرس والروم عام 613 - 614م،
واشترك مع الفرس أهل القدس ودمشق، وحملوا فيمن حملوا أسرى من أمراء الغساسنة، ورجعوا بهم إلى الحيرة، وقد انتشوا بالنصر، كما انتشى الفرس. بيد أن قيصر الروم هرقل سرعان ما أعد العدة لحرب ثانية، واستطاع أن يهزم الفرس، ويقضي على المناذرة، ويمحو ما لحق إمبراطوريته من هزيمة سابقة، وذلك في عام 623م.وبعد حوالي تسع سنين من ذلك، أي عام 12هـ، دخل سيف الله المسلول خالد بن الوليد مدينة الحيرة بجموع المسلمين، وقبل أهلها أن يدفعوا الجزية، فتُركوا وشأنهم، فدخلوا في الإسلام، وأصبحت الحيرة ومن فيها من عرب جزءًا من الأراضي الإسلامية منذ ذلك التاريخ.
الغساسنة (300 - 628م).
رحل الغساسنة من اليمن شمالاً إلى منطقة تهامة،ومن هناك شدوا الرحال مرة أخرى شمالاً حتى وصلوا إلى بلاد الشام، حيث نزلوا فيها وأسسوا لهم عاصمة سموها بصرى، وكانت تسمى أحيانًا جلق. وكان استقرارهم في الشام في القرن الثالث قبل الميلاد، ووجدوا هناك خلفاء الإسكندر الأكبر، فأضحوا
بجوارهم في إمارة خاضعة لهم. وبحكم وجودهم بالقرب من تلك المناطق الحضرية،
فإنهم قد عاشوا هم أنفسهم تلك العيشة الحضرية، وأصبحوا يمثلون قوة عربية حضرية، تمنع غزوات القبائل العربية البدوية التي كانت منتشرة في حدود دولة خلفاء الإسكندر.
ولما استولى الرومان على سوريا وفلسطين، ودالت دولة خلفاء الإسكندر، أصبح الغساسنة خاضعين لهم، كما كانوا خاضعين لمن قبلهم.
شعر الغساسنة بوطأة المسؤولية الملقاة عليهم عندما بدأ الملك أردشير بن بابك مؤسس الأسرة الساسانية الفارسية في توسيع رقعة بلاده، ليضم إليها أراضي أخرى من أراضي الهلال الخصيب وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط غربًا، رغبة في السيطرة على طرق التجارة بين آسيا وأوروبا. وكان موقف الغساسنة دقيقًا من الناحية الحربية، إذ كانوا دائمًا في مواجهة الهجوم الفارسي اللخمي.
كان حكم الغساسنة قد امتد في مقاطعتي حوران والبلقاء في الشام. وكان ملكهم الحارث
بن جبلة هو أول حاكم عينه إمبراطور الروم جستينيان وأعطاه رتبة فيلارك بطريق، وهي من أرفع الرتب في الإمبراطورية. وقد امتد حكم جستينيان من عام 527-565م.
وكان الحارث نصرانيًا، كما كان يعد من حماة كنيسة اليعاقبة، وكان في حرب دائمة مع ملك الحيرة الملك المنذر الثالث، حتى انتصر عليه انتصارًا ساحقًا في يونيو عام 554م في موقعة قنسرين التي يعتقد أنها هي التي عناها عرب الجاهلية بقولهم "مايوم حليمة بسر".
وفي عام 563م خرج الحارث من عاصمته بصرى إلى القسطنطينية، لمقابلة الإمبراطور للتفاهم حول المساعدات التي يجب أن تعطى له للاحتفاظ بولاء العرب له، وعدم إعطائهم الفرصة للانضمام إلى المناذرة. غير أن الإمبراطور لم يوافق على الدعم المالي الذي طُلب منه، وساءت العلاقات بين الحارث والإمبراطور البيزنطي، ومات الحارث في عام 569م.
زادت حدة الصراع بين المناذرة والغساسنة في أوائل القرن السابع الميلادي، بسبب تزايد قوة الفرس الذين أخذوا في الاستعداد لزحزحة الروم عن الشام، وبالفعل أعد الفرس جيوشهم ومعهم المناذرة، وقاموا بهجوم عنيف على الروم ومعهم الغساسنة عام 613-614م. وكان النبي ³ يدعو الناس في مكة في تلك الآونة للإسلام. واستطاع الفرس، ومعهم المناذرة التغلب على الروم والغساسنة، ودخلوا دمشق والقدس. وأخذوا بعض الآثار النصرانية من هناك، منها صليبهم المقدس. وفي هذه المعركة نزلت بعض آيات من القرآن الكريم في سورة الروم التي يقول الله تعالى في مطلعها: ﴿ آلم ¦ غُلبت الروم ¦ في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون ¦ في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون ¦ بنصر الله ينصر الله من يشاء وهو العزيز الرحيم ¦ وعْدَ الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾ الروم: 1-6.
ولم تنقض بضع سنوات حتى استطاع هرقل إمبراطور الروم جمع جيوشه والخروج إلى بلاد الفرس، وإلحاق الهزيمة بهم واسترداد ما أخذوه من القدس. وهكذا صدق الله وعده.
كانت هذه الحروب المستمرة وبالاً على كل من الغساسنة والمناذرة، حيث أضعفت
أمرهم. وكان جبلة بن الأيهم قد تولى الزعامة في بصرى. وفي هذه الآونة كان
الإسلام ينتشر في كلِّ من مكة المكرمة، والمدينة المنورة.
وفي سنة 13هـ، 634م أرسل الخليفة أبوبكر الصديق خالدًا من العراق إلى الشام،
واجتمعت جموع المسلمين وقوادهم، بقيادة خالد استعدادًا لملاقاة جيوش الروم في واقعة اليرموك التي انتهت بهزيمة إمبراطورية الروم، ومنذ ذلك التاريخ بدأت كثيرمن القبائل العربية تنحاز إلى العرب المسلمين، وسرعان ما استرد العرب بلادهم الشامية، وهي سوريا ولبنان والأردن وفلسطين. وكان ذلك آخر ما كان من الغساسنة الذين أضعفهم الروم والحروب المستمرة، فلم يعد لهم ذكر سوى في الأدب العربي وقصائد حسان ابن ثابت.

ليست هناك تعليقات: